جلاسكو.. كيف يمكنها إنقاذ الأرض؟ بقلم : حسين الشيخ
لم يعد التغير المناخي مجرد قضية بيئية تخص مستقبل الأرض فحسب، وإنما بات خطراً واقعاً، تُلمسُ نتائجه اليوم أكثر من أي وقتٍ مضى.
لذلك فإنّ العيون والقلوب ترنو إلى قمة المناخ السادسة والعشرين، التي ستُعقد بعد أيامٍ في جلاسكو باسكتلندا، وكلها أملٌ بمخرجاتٍ حقيقية تسفر عن اتفاقيات حازمة من أجل إنقاذ الكوكب من تبعات التغير المناخي الخطيرة، التي بدأت نُذُرها تطرق أبواب الحياة البشرية، ولا سيما أنّ تداعياتها لن تتوقف عند مسألة الكوارث الطبيعية، بل ستتعداها إلى كوارث اقتصادية وسياسية واجتماعية.
أولاً الكوارث الاقتصادية، وتتعلق بالأمن الغذائي والمائي بالدرجة الأولى، فارتفاع معدلات الانبعاث الكربوني من جرّاء الصناعات، التي توفر بعض المال للاقتصادات العالمية، سينتج عنها تغير في ارتفاع درجة حرارة الكوكب، ما يؤدي إلى انتشار كوارث طبيعية مدمرة، من أمطار وسيول وحرائق غابات وجفاف، تهدد الحياة البشرية، وستكون تكلفة تعويضها أو إنقاذها أضعاف ما يُجنى من الاعتماد على الوسائل التقليدية كالفحم والطاقة الأحفورية، كما ستهدد هذه الكوارث الإنتاج الزراعي والحيواني، بما يجعل العالم أجمع على أعتاب أزمة غذاء، بل وأزمة مياه أيضا.
ثانياً الكوارث السياسية، وتنبني على النتائج الحقيقية للكوارث الاقتصادية، التي تتأسس أصلاً على الكوارث الطبيعية، فكثير من الدول، التي تقع على خط المواجهة الأول لتداعيات التغير المناخي، مثل سويسرا وروسيا وهولندا واسكتلندا وغيرها من الدول التي تقع على حافة القطب المتجمد، ستعاني السياسات الاقتصادية العالمية، التي تنبني على الصناعة المسببة لأضخم الانبعاثات الكربونية، ما سيجعل كثيرا من الدول العظمى أمام صراع سياسي واقتصادي من أجل تغيير الواقع المفروض، وهذا كله سيولّد أزمات سياسية بين دول العالم أجمع.
ثالثا الكوارث الاجتماعية، وتتلخص في أنّ كثيرا من الدول على سطح الكوكب ستعاني تبعات الكوارث التي ستعصف بالزراعة والغطاء النباتي والحيواني والمخزون الاستراتيجي من المياه، الأمر الذي سيعرّض العالم لموجات نزوحٍ وهجرةٍ وصراعٍ من أجل البقاء، من جرّاء خروج مناطق شاسعة من صلاحيتها للحياة، وما يترتب على ذلك من أزمات إنسانية واجتماعية، أقلها تلك المترتبة على النزوح والهجرة، إذ سيزداد الفقر في الدول الفقيرة، التي تعتمد في حياتها على الزراعة، بما ينذر ببطالة عالمية ينتج عنها فقرٌ وجهلٌ وانتشار أمراض وأوبئة وجريمة، فضلا عن تعطل الخطط التنموية لصالح البحث عن رغيف خبز أو شربة ماء.
لذلك كله، فإنّ المطلوب من الذين سيجتمعون في قمة “جلاسكو” أنْ يخرجوا بقرارات حازمة وحاسمة فيما يخص تخفيض الانبعاثات الكربونية القاتلة، التي تنذر بكوارث عاصفة، لا تختص ببلدٍ دون آخر، والتي تهدد الحياة البشرية على الكوكب في المستقبل القريب لا البعيد، كما أنهم مطالبون بسياسات صارمة في التوجه نحو الطاقة النظيفة والبديلة وتمويل مشروعاتها وأبحاثها العلمية اللازمة، التي مهما بلغت كُلفتها لن تكون أكثر من كلفة التغير المناخي ومآلاته التي لن تستثني إنساناً على وجه الأرض، بالإضافة إلى الإسراع في تمويل ودعم الدول الفقيرة من أجل التحول من محاولات اللحاق بالركب الصناعي التقليدي إلى المشروعات الاقتصادية المعتمدة على الطاقة البديلة والمستدامة.
بهذا وحده ستكون قمة جلاسكو، التي تنعقد في وقتٍ مفصليٍّ من أزمة المناخ، قمةَ إنقاذ للكرة الأرضية كلها.