8:12 مساءً / 22 نوفمبر، 2024
آخر الاخبار

الفاعل الثقافي للقوة الذكية بقلم : أحمد شيخو

الفاعل الثقافي للقوة الذكية بقلم : أحمد شيخو

لماذا التركيز على الفاعل الثقافي في تحقيق النهوض و التفاعل المتبادل بين الشعوب والمجتمعات في المنطقة؟
هل تشكل القوة الثقافية من بين موارد القوة الذكية(SMART POWER) الأكثر فعالية وتأثيراً على المدى البعيد؟
ماذا نقصد بالثقافة وماهي أهميتها في حياة شعوب المنطقة ومراحل نضالها لتحقيق الحرية والديمقراطية والاستقرار ؟
ماهو الدورالذي يمكن أن يلعبه المثقف في تحقيق التحول الديمقراطي المطلوب في دول المنطقة وحل القضايا الوطنية العالقة إيجاباً أو سلباً؟
كيف يمكننا توظيف طاقة الثقافة الإيجابية في خدمة المجتمعات والشعوب وبناء الحياة الحرة الديمقراطية؟
هل هناك مثقف مرتزق وأخر مجتمعي ديمقراطي؟
القوة الذكية هو أحد المصطلحات المتعلقة بالعلاقات المتبادلة بين الدول والشعوب والمجتمعات، ويشير المصطلح إلى مزيج من استراتيجيات القوة الصلبة واستراتيجيات القوة الناعمة. ويعرّفه مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية بأنه “منهج يؤكد ضرورة وجود جيش قوي، لكنه يستثمر أيضًا بكثافة في التحالفات والشراكات والمؤسسات من جميع المستويات لتوسيع نفوذ الأطراف وإثبات شرعية أفعاله”.

يشير جوزيف ناي، مساعد وزير الدفاع لشؤون الأمن الدولي في عهد إدارة كلينتون ومؤلف العديد من الكتب حول استراتيجية القوة الذكية، إلى أن الاستراتيجيات الأكثر فاعلية في العلاقات و السياسة الخارجية اليوم تتطلب مزيجًا من موارد القوة الصلبة والمرنة. ويؤكد أن توظيف القوة الصلبة فقط أو القوة الناعمة فقط في موقف معين عادة ما يكون غير كاف ولابد من التعددية في استخدام القوة لتحقيق التاثير والهدف المطلوب.
ويستخدم “ناي” في ذلك مثال الإرهاب، ويعتقد أن مكافحة الإرهاب تتطلب استراتيجية قوة ذكية. ويعتبر من جهته بأن مجرد استخدام موارد القوة الناعمة لتغيير قلوب وعقول وخطاب وسلوك أفراد أو مجتمعات أوجهات أو تنظيمات أو دول سيكون غير فعال لأنه يحتاج بالضرورة اللجوء لعنصر القوة.
لا بد في بناء و تطوير التفاعل والعلاقات في المنطقة والشرق الأوسط و العالم الإسلامي من موارد القوة الذكية، إذ إن استخدام القوة الصلبة قد يكون له آثار مضرة. ويقول الدبلوماسي الأمريكي تشستر آرثر كروكر إن القوة الذكية «تشمل الاستخدام الاستراتيجي للدبلوماسية، والإقناع، وبناء القدرات، وفرض القوة والنفوذ بطرائق فعالة من ناحية التكلفة ولها مشروعية سياسية واجتماعية»؛ لا سيما في اشتراك القوة العسكرية وجميع أشكال الدبلوماسية الأخرى.
وهنا تظهر أهمية موارد القوة الذكية المتضمنة للقوة الصلبة والناعمة ولاستراتيجياتهما معاً و حسب المكان والزمان كما القوى التقنية و العسكرية والاقتصادية و الثقافة والسياسة والإعلامية وحقوق الإنسان والقانونية والفن وذلك في إطار النطاق الكامل للأدوات التي في متناول اليد.
وتظهر الثقافة هنا بكونها قوة من بين أهم القوى الذكية ذات الفعالية والتأثير الواضح والمستمر لفترات أطول ومع كل الظروف والتحديات الصعبة لتحقيق الأهداف المطلوبة، لكن من المهم معرفة الثقافة بشكلها ومضمونها الصحيح والدقيق.
يقول إدوارد تايلور الأنثروبولوجي البريطاني أن الثقافة هي ذلك المركب الكلي الذي يشتمل على المعرفة والمعتقد والفن والأدب والأخلاق والقانون والعرف والقدرات والعادات الأخرى، التي يكتسبها الإنسان بوصفه عضواً في المجتمع.

يمكننا هنا أيضاً ذكر تعريف الفيلسوف والقائد عبدالله أوجلان على أن تعريف الثقافة بمعناها العام هي مجموع كينونات المعاني والبنى، التي كوّنها المجتمع البشريّ على مدار التاريخ وتدفق الحياة. و نستطيع القول أن كينونات البنى هي مجموع المؤسسات المنفتحة للتحول والتطور، و كينونات المعاني على أنها مستوى أو مضمون المعاني المتنوعة والغنية والمترابطة ببعضها البعض تبادلياً وبالتكافؤ ضمن تلك المؤسسات المتحولة. وبالإمكان تحديد كينونة البنية بوصفها الإطار الماديّ للبنية، وتحديد المعنى بوصفه مضمون هذا الإطار الماديّ، أو بكونه قانونه الذي يحرّكه ويصيّره مشحوناً بالعواطف والأفكار. وكأننا ندنو هنا من مصطلحي “الطبيعة” و”الروح” لدى هيغل.

عند تعريف الثقافة بمعناها الضيق يتم تحديد إطار الثقافة على أنها المعنى والمضمون وقانون البنية وحيويتها. وعندما يكون المجتمع موضوع الحديث، فإننا نعرّف الثقافة بمعناها الضيق بأنها عالم المعنى لدى المجتمع، وقانونه الخلقيّ، و ذهنيته وفنّه وعلمه. وبتوحيد المؤسسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدفاعية مع هذا المعنى الضيق، يتمّ الانتقال إلى تعريف الثقافة بمعناها العام.
لا يمكن الحديث عن المجتمع بحدّ ذاته باعتباره وجوداً، إلا بوجود أرضية مؤسساتية ومعنىً جوهريّ له. بينما الحديث عن مجتمع مؤسساتيّ خالص أو عن مجتمع المعنى الخالص بنحو قائم بذاته، أمرٌ مضلّلٌ وخادعٌ إلى درجة كبيرة. ذلك أنّ مجتمعاً منفرداً بذاته لن يستطيع التحول إلى هوية، أو إطلاق تسمية على ذاته من حيث كونه وجوداً وكياناً؛ إلا إذا كان يتمتع بمستوى كاف من المعنى والمؤسساتية. أما الحديث عن المجتمع المؤسساتيّ أو مجتمع المعنى المنفصل والقائم بذاته، وافتراض إمكانية العيش بإنسانية في هكذا مجتمعات؛ فيحكم عليه بكونه خطأً وانحرافاً وتردّياً أخلاقياً وشناعة، مثلما حصل في جميع المجتمعات على مدى التاريخ.
محالٌ الحديث هنا عن معنى مجتمع ما أو عن ثقافته الضيقة بعد بعثرته مؤسساتياً. والمؤسسة في هذه الحال كالكأس المليئة بالماء.

حيث أنه لا يمكن الحديث عن وجود الماء بعد تحطّم الكأس. وحتى لو أمكن، فهو لم يعد ماءً بالنسبة لصاحب الكأس، بل هو عنصر حياة متدفقة في تربة أو إناء أناس آخرين. في حين أنّ النتائج المتمخضة من خسران المعنى والذهنية والجمالية الاجتماعية أفظع من ذلك. ففي هكذا حالة لا يمكن الحديث سوى عن تألّم واصطفاق كيان هو أقرب ما يكون إلى كيان حيّ مبتور الرأس.

المجتمع الذي يخسر عالمه الذهنيّ والجماليّ أشبه بجثة متروكة للتفسخ والتحلّل والانقضاض عليها بوحشية. بناءً عليه، ولتعريف مجتمع ما ثقافياً، يشترط حتماً تقييمه ضمن تكامل كليّ على صعيد المؤسساتية والمعنى.

وأبسط مثال يمكننا تقديمه في هذا المضمار، هو واقع مجتمعات شعوب المنطقة وعلى رأسها المجتمع الكرديّ الذي نشهد مأساته الدرامية بكثافة. فنظراً لمعاناته من التمزّق العميق والخسران الذهنيّ مؤسساتياً ومعنىً على حدّ سواء، فلا يمكننا تسمية المجتمع الكرديّ إلا بـ”المجتمع المعرّض للإبادة الثقافية” من قبل تركيا كدولة للإبادة والتطهير الثقافي.
كما أن الدول القومية التي تشكلت كحالة اعتداء سافر وتدخل غير مبرر في شؤون المنطقة وتقسيمها من قبل بريطانيا وفرنسا وروسيا واسرائيل بعد الحرب العالمية الأولى ولكونها تشكل مؤسسة عملية لنظام الهيمنة العالمي وبالضد من مصالح شعوب المنطقة وثقافتها وقيمها فهي أي هذه الدول القومية وسلطاتها القوموية عملت على إضعاف المجتمع قدر المستطاع وذلك عبر محاربة الثقافة الإجتماعية والعالم الذهني والمعنوي والمادي الخاص لمجتمعات وشعوب المنطقة كونهم كانوا يرون خطورة هذه الثقافة وقوتها في الدفاع عن مصالح المجتمعات والشعوب وعدم الاستسلام والرضوخ والإصرار على الحياة الحرة والديمقراطية. وهنا تشكل الثقافة أهم عناصر المقاومة الأخلاقية وشرعيتها المجتمعية في النضال والحفاظ على الوجود والهوية وتحقيق التفاعل والتكامل مع شعوب ومجتمعات المنطقة الأخرى كوسيلة للدبلوماسية المجتمعية وأهم روافدها المؤثرة.
لكن من المناسب الإشارة إلى مصطلح المثقف الذي ربما يربطه البعض بالعالم والنبي والحكيم والفيلسوف والأديب والعارف والمتعلم والخبير والمتخصص والممثل البارع والدبلوماسي أو يمكن القول بأن هناك مثقف شامل ومتكامل لحد ما، ومثقف متعدد المواهب، ومثقف منحصر في بعض العلوم. ومنهم من يعرف المثقف على أساس العارف بجميع العلوم…أو على الأقل بشيء من مجمل ما هو متداول ومعروف…أو يراد معرفته، لكن هل يمكن إطلاق مصطلح المثقف على كل من حمل نوعاً أو بضع أنواع من العلوم والمعرفة. أم أن المصطلح وسام لا يرفعه إلا أشخاص قلائل لديهم إمكانيات العبقري والفيلسوف المجتهد في علوم زمانه، وله معرفة بتاريخ يخص شعبه وخصوصيته المادية والمعنوية. وهل هناك شخص لديه الإمكانية لفهم واستيعاب جميع العلوم ودرك مفاصلها وله نظرته الخاصة في كل صغيرة وكبيرة. وهل هناك مثقف غير متعلم أو هناك مثقف لم يذهب لأي مدرسة أو جامعة هل يستطيع أي إنسان أن يصبح مثقفاً ..هل نريد تخويف الساعين للثقافة والإدراك أن يتجنوا الخوض في غمار العلوم لأنهم لم ينالوا وسام المثقف. أم أن الحلم هو دفع الأكثرية للتطلع وزيادة المعلومات لتعم الفائدة وامتلاك القوة الفكرية ورفد المجتمع بعناصر تعزز قوته وكيانه وقيمه.
اين كان تعريف المثقف على رغم من تعددها فهو من الواضح انه شخص يمتلك قدرة التأثير كعنصر رائد في بنية القوة الثقافية للمجتمعات والشعوب والدول وتفعيلها ولذلك تم ملاحظة هذه العنصر الفاعل من قبل كل السلطات والدول والشعوب والجهات والقوى التي تريد الإستفادة من القوة الثقافية، وهنا تظهر المشكلة في كون هذا المثقف هنا أمام مفترق طرق:

1_ إما أن يختار مجتمعه وشعبه ويكون عليه حمل ثقيل ودوره مبارك وخادم لمجتمعه وشعبه ورائد في تكوين الوعي الجمعي المجتمعي على أساس مصالح المجتمع والشعب، والمثقف هنا هو الإنسان الذي يملك من الدراية والفهم والوعى ما يجعله حاملا لهموم مجتمعه، منشغلا بإصلاحه، وتطويره، والارتقاء به، والدفاع عنها وهو قائد للجماهير فى مكانه وزمانه وأمامها لا خلفها، يعلمها، ويبث فيها الوعى الإيجابى بواقعها، وبالتحديات التى تواجهها، ويرشدها إلى طرق الخلاص من الأزمات، ومسالك الرقى والتقدم فى مضمار الحضارة والتقدم، هذا المعنى للمثقف قدمه للعالم المفكر الإيطالى أنطونيو جرامشى الذى توفى ١٩٣٧م، وقبله قدمه للعرب عالم اللغة جمال الدين بن منظور الإفريقى صاحب لسان العرب، توفى ١٣١١م، حين عرف الإنسان المثقف فقال: الثقف ـ أى المثقف ـ هو إنسان فطن ثقف، أى ثابت المعرفة بما يحتاج إليه. وبذلك يكون مثقفاً مجتمعياً ديمقراطياً ويفنى عمره لتنوير عقول أبناء مجتمعه، وتمهيد الطريق لنهوضهم، وتقدمهم ورقيهم وحريتهم وكرامتهم وإدارتهم لأنفسهم.
2_ أو أن يختار هذا المثقف أن يكون أداة وبوق ووسيلة لقوى الاحتكار وللقوى السلطوية والجهات والدول التي تريد النيل من المجتمعات والشعوب وبلدان المنطقة وهنا يظهر هذا الشخص المسمى بالمثقف الإنتهازي بشكله الفظ ويصبح بلاءً على مجتمعه ومجسداً للنفاق والكذب والخيانة ويصبح غايته الظهور والنجومية وتصدر المشهد الثقافي ولو بشعارات ومفاهيم براقة للتضليل الذي يساعده فيها الجهة المشغلة له ويصبح محرف لوعي الشعب ويبث خطاب الكراهية والفتنة والفرقة ويجر وعي الناس لشائعات و لقضايا هامشية لا تخدم مصالح المجتمع ومتطلباته البلد الأساسية، وعندما تصادفه يختلق ألف عذر وحجة أنه الصح أو أنه الأشطر والفهلوي الذي فاز بالجائزة دون غيره.

لكن هؤلاء تجار شنطة، يبيعون أنفسهم وهواياتهم فى سوق الثقافة، التي تباع فيها المواهب المتوسطة، والإنتاج العقلى الذي يتناسب مع منتجيهم، ومستهلكيهم، ومشغليهم وهنا نشاهد المثقف المرتزق الذي يكون تحت الطلب بعقله وقلمه ويده وبكل جواره، كما أي مرتزق يعمل حسب الطلب والدفع مجرد من الكرامة والإنسانية. وهو مستعد لترك مجتمعه وبلده في أصعب الظروف وأكثر أوقات الحاجة إليه حتى يحقق بعض المصالح الشخصية وتحكمه الأنانية دون مجتمعه وشعبه وبلده.

وعليه مهما كانت الثقافة تشكل قوة فعالة ومؤثرة وطاقة كامنة عظيمة ضمن مفهوم القوة الذكية واستراتيجيتها يبقى تفعيلها واستخدامها بالشكل المطلوب وفي الزمان والمكان المناسب وعبر الأشخاص والمؤسسات المناسبة من الأمور الهامة وأي مجتمع أو دولة لايستطيع النهوض والمسير في درب التطور والتقدم والتنمية والتحول الديمقراطي وكذلك بناء العلاقات المفيدة مع الشعوب والدول المجاورة دون الاستناد إلى القوة الثقافية والثقافة التاريخية التي تشكل الهوية والوجود لأي مجتمع وكيان.

شاهد أيضاً

مستوطنون يحطمون أشجار حمضيات شمال غرب سلفيت

مستوطنون يحطمون أشجار حمضيات شمال غرب سلفيت

شفا – قطع مستوطنون، اليوم الجمعة، أشجار حمضيات وإتلاف ثمارها في منطقة واد قانا غرب …