الوجه الإنساني.. بين القَبل والبَعد، بقلم : د. شهد الراوي
وصلتني قبل أيام صورة لإحدى معارفي، لكني وللأسف لم أتعرف عليها، كما أن لا أحد من القريبين مني تعرف عليها، مما سبب لي ألماً تستفزه الذكرى!
فهذه البنت الغريبة عني لم تكن إلا تلك التي قضيت معها نصف عمر من الذاكرة المشتركة.
وهذه واحدة من حالات عديدة تحصل لنا ولكن بدرجات متفاوتة.
فإذا كانت هناك سمة عامة يوصف بها عصرنا، فهي، وبحسب ظني، ليست مسألة شيوع ظاهرة التواصل الافتراضي، والذي نطلق عليه تعسفاً بـ«التواصل الاجتماعي» فهذا مجرد وسيلة تحريف عن السمة الجوهرية، التي يستحق عصرنا بسببها، أن نطلق عليه وبراحة ضمير: “عصر التجميل الجراحي”.
ففي كل يوم يمر علينا، تتكيف أعداد كبيرة من الناس مع إزالة عظام الوجنات، وجدع الأنف التجميلي، وتحوير الذقن، وتضخيم الشفاه، ونحت الجسد، وما يرافق ذلك من تبدلات سيكولوجية، يحاول فيها وعي الإنسان ردم الفجوة بين هويته الفردية وشكله الجديد.
وتقدم لنا الصور الفوتوغرافية التي تتضمن مقولة (قبل- بعد) هويتين لشخص واحد. ومن المحتمل، أن القبل- والبعد، لا تخصان ذاتاً واحدة، تتمتع بنفس الصفات النفسية.
فالشخص الذي تعرفت عليه في مرحلة الـ(قبل) لم يعد هو نفسه في مرحلة الـ(بعد).
قد تصبح العلاقة معه بحاجة إلى أن تُحَوّر مراراً، لتوائم وجهه الجديد. لأن الوجه، ووفقاً للفيلسوف إيمانويل لفيناس: “هو الطريقة التي يحضر الآخر من خلالها.. وأن علاقتنا مع الوجه هي علاقة أخلاقية”.
هذا لا يمنع أن يكون للمرء وجهة نظر بالطريقة التي يحب أن يظهر بها وجهه، ولكن عليه أن يبقي على هذا الوجه معروفاً، ودالاً على أناه الخاصة، وهويته الفردية مثل مرآة عاكسة لتطور حياته ومآثره وانكساراته في هذه الحياة. فكل عمل عظيم كما يقول ألبير گامو، “يجعل وجه الإنسان أكثر إثارة للإعجاب وأكثر ثراء، وهذا هو سره الكامل”.
الملامح التي نألفها في كل فرد نعرفه، هي خرائط متحركة؛ من الحزن، والفرح، والشرود، والانتباه، والتردد، والمكر، والحيلة، والبراءة، والحب، والكراهية، التي تتشكل منها هوية كل كائن بشري، وبتفريغ هذه الخرائط من شكلها، فنحن نتوه في التعرف على علاقتنا بها واعتيادنا على التفاهم معها.
ثمة فرق جوهري بين التعديل الطفيف المدروس، والذي يأخذ في الاعتبار نسبة وتناسب الفراغات بين منعطفات الوجه، ليضفي عليها تلك اللمسة الفاتنة غير المرئية، وبين التغيير الصارخ، المستفز والعشوائي، الذي تنطق به الوجوه المحوّرة والمتشابهة.. حد الاستنساخ.
التجميل المشتق من معنى الجمال، حق أكثر من طبيعي، لكن عالمنا، وبسبب المبالغة الجنونية بالأمر، يغدو، يوماً بعد يوم، قبيحاً، إلى الحد الذي يتعذر علينا فيه التعرف على صورنا.