عظم التقدم وضآلة الاكتشاف!! بقلم : فاطمة المزروعي
لا يمكن أن تخطئ العين عظمة التطورات الهائلة التي تحققت للبشرية، ولا يمكن بأي حال من الأحوال وصف كثير من المبتكرات والمخترعات إلا كونها ملهمة ومفيدة وساهمت في رقي البشرية، عشرات العشرات من الأمراض في عقود ماضية حصدت الملايين من أرواح الناس مثل الحصبة والجدري باتت اليوم في طي النسيان بسبب الأمصال والعلاجات الناجحة التي استأصلتها وأنهت جريمتها بحق الإنسانية، ومن ينكر التطورات التقنية التي ساهمت في النقل والاتصالات فجعلت العالم كقرية صغيرة تنتقل فيها الأخبار بسرعة بالصوت والصورة، بل ألغيت الحواجز وحدث حراك ثقافي وحضاري واندماج وتلاقٍ بسبب تبادل المعلومات الهائل الذي أحدثته ثورة الاتصالات الذكية ومواقع التواصل الاجتماعية على مختلف أنواعها، هذا التطور تجده أيضاً في سباق الفضاء وإرسال المركبات وسبر أغوار المجهول فتأكدت البشرية من عدم وجود سكان في المريخ وأن الزهرة لا حياة فيه، وما زالت المسابر والأقمار الصناعية ومحطات الفضاء تواصل عملها والبعض منها في مهمات تستغرق عشرات الأعوام لتزور كواكب أخرى في مجرتنا. ورغم كل هذا فإن كثير من العلماء يعتبر أن هذه فقط البداية وأن البشرية مقبلة خلال العقود الخمسة القادمة على تطورات هائلة ستغير وجه الكرة الأرضية برمتها، البعض منهم يوضح أن هذه الثورة العلمية عمرها قصير جداً فلم تتجاوز 100 عام أو 150 عاماً على أبعد تقدير، فكيف هو العالم بعد نحو 100 عام أخرى أو بعد نحو 200 عام؟ أقول إنه رغم كل هذا التطور الهائل في مجال الطب والعلوم والفلك والفضاء بقيت معضلة واحدة صغيرة وقف الإنسان عاجزاً عن حلها أو التعامل معها، جزء صغير جداً لم يستطع الإنسان المساس به أو اكتشاف سره، وهو عقل الإنسان – المخ – الذي بقي في معزل عن كل تطور وتقدم علمي، فحتى اليوم علماء المخ والأعصاب في حيرة كيف يصدر المخ أوامره للإنسان والتي ظهر في سلوكيات وأفعال، وغني عن القول إن هذا العجز امتد ليصل ليكون هذا المخ في معزل وفي حماية عن أي محاولة لنقلة أو إخراجه من رأس الإنسان، فبينما نجح العلماء في نقل أعضاء الجسم من القلب إلى الرئة وصولاً إلى الكلى وغيرها، بل وفي إعادة الأطراف وزراعة وجه جديد، امتنع المخ وكان عصياً على أي محاولة للمساس به، عظمة المخترعات الإنسانية والاكتشافات والمبتكرات تتضاءل وتتقازم أمام فقر وفشل الإنسان في سبر متاهات المخ الإنساني.