شفا – في تجاهل للأوضاع المعيشية القاسية التي يعيشها غالبية المواطنين في البلاد، قررت شركة الغاز الوطنية التركية التابعة للحكومة “يوتاش”، رفع أسعار الغاز والكهرباء.
القرار الذي صدر بعد منتصف الليل، وصدم به المواطنون، زاد من أسعار الغاز المنزلي بنسبة 12 في المئة، والغاز الممنوح للشركات والمصانع والمؤسسات الصناعية بنسبة 20 بالمئة، وبنسبة 20.2 بالمئة للمحطات الحكومية والخاصة المنتجة للكهرباء، ما ينذر بموجة كبرى للتضخم في مجمل الحاجات اليومية للمواطنين، وبالتالي اندلاع احتجاجات شعبية في مختلف مناطق البلاد.
قرار الشركة الحكومية، التي تحتكر استخراج وتصنيع وتوزيع الغاز والكهرباء في البلاد، وتعتبر الذراع الأكثر سطوة في تنفيذ السياسات الحكومية الاقتصادية الداخلية، تم اتخاذه دون أية مقدمات أو حوار داخلي مسبق، لا مع الجهات والمؤسسات الاقتصادية في البلاد، ولا حتى بين الأحزاب السياسي.
فالقرار تم اتخاذه بشكل مفاجئ ليلا، وصارت معه أسعار عبوة الغاز المخصصة للاستعمال المنزلي (12 كيلو) بحدود 200 ليرة تركية (ما يقارب 30 دولارا)، وهو ما يشكل ضغطا على سلة المشتريات الشهرية للأسرة التركية.
كذلك زادت الشركة قيمة أسعار الكهرباء بنسبة 15 في المئة، ليغدو المواطنون الأتراك مجبرين على دفع 92 ليرة تركية (13 دولارا) مقابل الحصول على كل 100 كيلو واط من الكهرباء، أي أن الأسرة المتوسطة ستدفع ما يقدر بحوالي 5 في المئة من مداخيلها الشهرية للحصول على الكهرباء، وهي من أعلى الأسعار في العالم.
زيادات متلاحقة
يهدد رفع أسعار الغاز الطبيعي في البلاد بزيادة استثنائية في أسعار الكهرباء وقرابة 65 في المئة من مجمل المشتريات اليومية بالنسبة للمواطنين، وعلى رأسها قطاعات المواصلات والمواد الغذائية والمواد المصنعة محليا والتدفئة الشتوية، بنسبة تقدر 25 في المئة من مجموع مداخيل المواطنين، ودون أية وعود تحفيزية من قِبل الحكومة.
المعلقون الأتراك على شبكات التواصل الاجتماعي عبّروا عن استغرابهم من قرار الشركة الوطنية للغاز، لأنه يأتي بعد أن بقيت الحكومة التركية تعد المواطنين طوال الشهور الثلاثة الماضية بتخفيف آثار التضخم في البلاد، كما أن الرئيس رجب طيب أردوغان كان قد أعلن في أكثر من مناسبة بأن اكتشافات تركيا الغازية الجديدة في المياه الإقليمية لتركيا في البحر الأسود تقدر قيمتها بأكثر من 165 مليار دولار، وأن تركيا ستتحول إلى دولة منتجة للغاز.
الكاتب والباحث التركي خيري دينيز شرح في حديث مع موقع “سكاي نيوز عربية” الدوافع التي جعلت الحكومة التركية تتخذ مثل هذا القرار الذي اسماه “انتحاريا”، لما قد يجره من تبعات شعبية مرئية، وأضاف قائلا: “بشكل أولي، يبدو القرار الأخير شديد الغرابة. ففي وقت تعاني فيه مجمل الطبقات الاجتماعية التركية من الارتفاع الهائل لنسب التضخم في البلاد، وبالرغم من التراجع المتقادم لشعبية حزب العدالة والتنمية، التي قال آخر الإحصاءات بأنها دون ثلث مجموع السكان، فإنه تم اتخاذ هذا القرار الذي قد يفاقم كل شيء من تلك المعطيات”.
وبيّن دينيز أن “الخزينة العامة للبلاد هي من تدفع لفعل كل هذا، فمجموع ما تحتاجه الحكومة من إيرادات لا تغطي إلا نسبة من مصاريفها الضخمة، أي أنه ثمة عجز متقادم، لا يمكن تغطيته إلا عبر آليتين، زيادة الضرائب ورفع أسعار المحروقات التي تحتكرها الحكومة عبر الشركة الوطنية للغاز والكهرباء”.
غضب عارم
الاتحاد العام لـ”الشركات والأعمال” التركي، الذي يضم أكثر من 40 ألف شركة، ويضم ثلاثين نقابة و275 جمعية اقتصادية ومالية، عبّر مباشرة عن اعتراضه ونقده لقرار الحكومة الأخير، مطالبا بضرورة تنفيذ برامج شاملة للإصلاحات الاقتصادية وإعادة هيكلة القضاء والمجتمع المدني، وذلك لمواجهة البطالة.
قرارات أكبر اتحاد عام للشركات والأعمال في البلاد جاء بعد يومين فحسب من تقارير أشارت إلى أن خسائر البنوك العامة في البلاد بلغت 1.1 مليار دولار خلال الشهرين الأخيرين، فيما بلغت خسائر البنوك الخاصة أكثر من 200 مليون دولار، الأمر الذي يعني بأن موجة من استنزاف الرساميل المحلية والاستثمارات الأجنبية سوف تغادر البلاد خلال الشهور الستة القادمة.
الباحث السياسي في جامعة مرمرة التركية أصلان جابي أوغلو شرح في حديث مع موقع “سكاي نيوز عربية” أنواع التحركات الشعبية والسياسية المتوقع حدوثها كردة فعل على قرار الحكومة الأخير، موضحا: “سيكون هذا القرار جوهر خطابات أحزاب المعارضة خلال الأسابيع القادمة، مستفيدين من النقمة الشعبية غير المنظمة راهنا، ودون شك سيحاول الحزب الحاكم الدفع ببعض الإجراءات التحفيزية، مثل تقديم قروض ميسرة للطبقات الوسطى والمشاريع الصغيرة”.
وأشار أوغلو إلى أن “قرار أية جهة حزبية تركية معارضة، أو حتى نقابة أهلية أو مدنية اقتصادية، بالدعوة إلى تظاهرات اعتراضا على القرار، وفي حال كانت الاستجابة كبرى وفي مختلف مناطق البلاد، فإن أردوغان سيندفع لإلغاء القرار، ولو بشكل نسبي، ليظهر بثوب الشخص المستجيب لتطلعات المجتمع في مواجهة المؤسسات الاقتصادية”.-سكاي نيوز –