ما الذي تسرقه التقنية؟ بقلم : فاطمة المزروعي
هل يمكن لأيٍّ منا أن يتخيل يومه دون أن يكون بين يديه هاتفه الذي يحتوى على عشرات العشرات من البرامج والتطبيقات التي تجعله في تواصل يومي مع العالم؟ هل يمكن لأيٍّ منا أن يستغني لفترة من الزمن عن الاطلاع على مواقع التواصل الاجتماعي والتفاعل معها؟ بل هل يمكن لأيٍّ منا أن يستغني عن شبكة الإنترنت وما تحتويه من مواقع خدمية وحياتية بالغة الأهمية؟ الذي أهدف له وأشير له من خلال طرح مثل هذه التساؤلات، هو إظهار مدى تعلقنا وتأثير هذه التقنيات ووسائلها المختلفة في حياتنا بشكل واضح وصريح. وهذا ليس سيئاً أو أنني أقف ضده، بل هناك زاوية أخرى أرغب بلفت الانتباه إليها، تتعلق بمدى تأثير هذه الوسائل والبرامج على حياتنا النفسية وأيضاً الجسدية. فضلاً عن الأثر البالغ حتى على ثقافتنا وهويتنا.
يكاد معظمنا يكون على إطلاع على دراسات وبحوث تصدر كل يوم تتحدث عن أعراض لأمراض متنوعة تصيب الإنسان سواء نفسية متمثلة في تفكك أسري ووهن في العلاقات الاجتماعية بين الناس بسبب الإدمان على مختلف وسائل التقنية خاصة منها ما يتصل بالاتصالات والهواتف الذكية، والتي تسبب أمراض متنوعة جسدية على سبيل المثال النظر بشكل دائم ومتواصل على شاشات هذه الهواتف قد يسبب أضراراً تصيب العين، وليس هذا وحسب بل تسبب الصداع وقلة النوم. هذا فضلاً عن آلام في الرقبة والكتفين والظهر وغيرها كثير.
لكن تبقى القصص التي نسمعها يومياً عن انهيار أُسر سواء لزوجين حديثي الزواج أو حتى لأزواج مضت سنوات على زواجهم ولديهم أطفال. وهناك دراسات تتحدث فعلاً عن أثر التقنيات الحديثة بصفة عامة على كثير من الأنماط الاجتماعية ومنها الأسرة، وأن مثل هذه الآثار مدوية ووخيمة وتحتاج لمعالجة حقيقية. في هذا السياق أعجبتني كلمة بليغة للسيدة جر ترود شتاين، وهي أديبة أمريكية وناقدة، حيث قالت: «كلما زاد حصول الإنسان على المعلومات فقد حسه العام». وأحسب أن هذه المقولة تختصر كثير من الكلمات، فبحق كلما غصنا وجمعنا وحصلنا على المعلومات على مختلف أنواعها، بل باتت هناك آلية توصل لنا هذه المعلومات بسهولة وببساطة متناهية، فقدنا بالمقابل أموراً إنسانية بليغة، كالعفوية، كالبساطة، كالتواضع، كالاهتمام.. إن الزخم الهائل الذي يصلنا يومياً من المعلومات سواء كانت أخباراً أو تحليلات أو قصصاً أو مخترعات أو صوراً أو مقاطع فيديو، أو مواد مضحكة أو مبكية، أو غيرها مهما كانت. في الحقيقة هي عبارة عن معلومات في كثير من الأحيان نحن لا نحتاجها أو لا تفيدنا بشيء، بقدر أنها تضيع وقتاً ثميناً لنا، وإضاعة الوقت تتم بطريقة الاستسهال، حيث يقول الواحد منا هذا المقطع لم يأخذ من وقتي لمشاهدته سوى 3 دقائق فقط، وفي الحقيقة، لو حسبنا تصفح واتساب ومطالعة حسابك في إنستغرام وتويتر وفيسبوك وغيرها، والرد على المكالمات الهاتفية وغيرها كثير، لو حسبناها بدقة ويومياً كم تستنزف؟ لاكتشفنا أن الوقت الذي نسرفه كبير جداً، ينتج عن إهداره تفريط في حقوق الآخرين، سواء في مقار أعمالنا أو في منازلنا مع أقرب الناس لنا.. وهنا تكمن المشكلة..