حريات المواطن ومرسوم الرئيس ! بقلم : ثائر نوفل أبو عطيوي
تعتبر الحريات العامة من المسلمات التي ترافق الانسان من لحظة ميلاده إلى وفاته ، لأنها الحق الانساني المكتسب التي نصت عليه الرسالات السماوية وكافة الأعراف الانسانية والمواثيق الدولية والمؤسسات الحقوقية ، لأن الانسان مصدر الحياة وعمادها في أي مكان وزمان ،المفكر القانوني والباحث في القانون العام الفرنسي “موريس هوريو ” يرى أن الحريات هي مجموعة الحقوق المعترف بها، التي تعتبر أساسية عند مستوى حضاري معين مما يجعل حمايتها حماية قانونية خاصة، تتكفل بها الدولة وتضمن عدم التعرض لها وتبيين وسائل حمايتها.
بالامس أصدر الرئيس محمود عباس، مرسوما رئاسيا بشأن تعزيز الحريات العامة، أكد فيه على توفير مناخات الحريات العامة، وأن يكون ملزما المرسوم للأطراف كافة في أراضي دولة فلسطين، بما فيها حرية العمل السياسي والوطني، وفقا لأحكام القانون الأساسي والقوانين ذات العلاقة ، وكما نص المرسوم على حظر الملاحقة والاحتجاز والتوقيف والاعتقال وكافة أنواع المساءلة خارج أحكام القانون، لأسباب تتعلق بحرية الرأي والانتماء السياسي.
والسؤال البديهي الذي يطرح هنا نفسه ، هل اصبحت الحريات العامة وممارستها بحاجة إلى مرسوم ؟ وهل حرية الرأي والفكر والتعبير بحاجة إلى قرار رئاسي ، حتى يتم التنفيذ والتطبيق ؟ ولماذا كان غائبا ومهمشا هذا المرسوم والقرار طيل سنوات في ظل النزاع الحزبي والانقسام السياسي الفلسطيني ؟ وهل توقيت اصدار القرار جاء بسبب الانتخابات القادمة وضغوطات فصائلية على صانع القرار ، أم ان اصدار المرسوم خيار واعتراف صريح ومباشر بهيمنة السلطة التنفيذية على السلطة التشريعية والقضائية ، وممارستها لسياسة قمع الحريات والاعتقالات السياسية والفكرية وتكميم الأفواه، ومصادرة الحقوق الانسانية المعبرة عن حرية الفكر والرأي والتعبير ، وقد حان الوقت إلى لجم وتقييد أيدي السلطة التنفيذية ، التي كانت صاحبة النفوذ والسيطرة بقوة القمع والبطش والسلاح ، والتي للأسف كان تستمد قوتها وسلطتها قبل اصدار المرسوم من صاحب القرار نفسه.!
التساؤلات المشروعة واجبة الطرح من باب المسؤولية الموضوعية في اطارها العام الذي لا تخرج عن ما نص عليه المرسوم الرئاسي من اجراءات بشأن استعادة الحريات والشرعيات الأساسية التي تنصف الانسان في حقه في الحرية بكافة انواعها من حرية الفكر والرأي والتعبير إلى حرية الذات والمصير دون قيود أو حواجز وسدود تكبل فكره ومعتقداته وارائه وتحجم من تطلعاته وطموحاته التي يعبر عنها ضمن الوسائل التعبيرية المتاحة والمباحة وغير المستباحة من السلطة التنفيذية مادامت لا تتعدى الحدود القانونية التي تعترف بالحقوق الانسانية وتعزز من دعمها ، والتي على رأسها اطلاق العنان للحريات الشخصية والفكرية والسياسية و المجتمعية في اطار مناخ صحي سليم يخلو من مصادرة حقوق الرأي والتكتيم والتعتيم.
المرسوم الرئاسي الصادر عن الرئيس هو بمثابة اعتراف واضح وصريح على ان هناك خلل ومشاكل وتعديات على الحقوق والشرعيات من قبل السلطة التنفيذية صاحبة التنفيذ دون تقييد من خلال امتداد قوتها وسطوتها من السلطة العليا صاحبة القرار ، التي تعطيها الحق بالتعامل مع الحريات العامة المشروعة بأنها تعدي على الشرعيات لأنها لا تتوافق مع رؤيتها وسياستها في اطار فقط ما يسمي في الاختلافات ، فلهذا الأمر بأكمله بحاجة الى تعديلات وتسويات ، من خلال الاعتراف الضمني والدائم ان الانسان مصدر التشريعات والسلطات، وله الحق بممارسة كافة الحريات دون مرسوم أو تشريع وقانون ينتهك حياته الانسانية والسياسية وممارستها بكل ارتياح وديمقراطية.