عودة إلى عصر الفتوات ، بقلم : هيثم الزبيدي
جلس الصديق قلقا وهو يضع أمامه هاتفه الذكي ينقل صورة مكونة من أربع لقطات لكاميرات في منزله. كنا نجلس في بيته ولا يوجد ما يدعو إلى القلق من سطو أو اعتداء. أي لص سيفكر مرات قبل أن يقتحم مكانا يستطيع من في الخارج أن يرصد أن ثمة عددا من الناس يتسامرون حول طاولة عشاء. لكن سرعان ما تنتبه إلى أن القلق صار جزءا من شخصية مضيفك، بل وصفة متزايدة اليوم عند كثيرين. هو لا يراقب اللص القادم بل ينفس عن توتره بأن يحس بالأمان: كل شيء هادئ على جبهة الحديقة الخلفية.
بالاستفسار، كان الحديث عن عصابات تتجول في غرب لندن مع توسع الحجر بسبب كورونا ونتيجة لسياسات حكومية بتخفيض قوات الشرطة منذ سنوات. أكثر من عملية سطو تمت في الشارع نفسه. إذا لم ترتبط بعنف، فإن الشرطة تأخذ وقتها بالتحقيقات، هذا إذا بادرت. سكان الحي، كثير منهم من عرب لندن، قرروا استحداث “فرقة مراقبة” على مجموعة واتساب حيث يتناقلون التنبيهات. تحتاج أن تكون بمزاج خاص لتتحول من ساكن عادي إلى عساس يراقب الشارع. العساس، أو الحارس الليلي، يطور قدراته مع الوقت ويعرف الفرق بين حركة قط خلف شجرة ومحاولة حرامي التسلل إلى بيت. لا يحتاج أن يرعب الجميع برسالة على واتساب عن “خطر داهم”.
أعين السكان تجمع الصور من كاميراتهم. الذي يخاف من الرقابة عبر الكاميرات، عليه أن يزور ذاك الشارع في غرب لندن. “الإخوان الكبار” يراقبون بعضهم بعضا وهم يراقبون اللص القادم.
كان مقترحي الاستعانة بشركة أمنية تمرر دورية. لا أحد يريد أن ينفق مبلغا شهريا على مثل هذا الإجراء. كان مقترحي الآخر هو الاستعانة بـ”فتوة”. ضحكوا من المقترح بالطبع، ولكن لا أجد سببا للضحك. شركة الأمن ترسل إليك “فتوة” حارسا متغيرا. لماذا لا نطور “فتوة” محليا مثلما كان العرف في أيام زمان؟ تدفع “الإتاوة” أو “الخوة” وتتمتع بحماية من نوع ما. ليست بمستوى الحمايات التي كانت توفرها المافيات الإيطالية أو الصينية أو اليابانية أو حتى الألبانية حاليا في أوروبا. ولكن أمام لصوص يتصيدون الفرص لسرقة الآيباد أو قطعة ثمينة من البيت (راح زمان من يسرق جهاز فيديو أو تلفزيون – الفيديو اختفى وشاشة التلفزيون بحجم السينما)، لا بأس من وجود من يستعرض القوة أمامهم.
ما هي خيارات الناس الآن أمام اختلالات الأمن في كل مكان؟ الجميع، وليس في ذلك الشارع فقط، يحاول البحث عن الأمان. قصص الاعتداءات والفوضى في كل مكان في العالم، وعالمنا العربي ليس بحال أفضل. مجرمون يتحركون بحرية وميليشيات تسيطر على أحياء أو مدن، بل ودول. هذا التراجع في الأمن يفتح الباب أمام الجميع للبحث عن البدائل قبل أن تستفحل المشاكل. إذا كان الأمن والشرطة لا يقومان بواجبهما، والدول تسحب يدها من مسؤولياتها، ما الذي يمنع الناس من العودة إلى منظومات بديلة. هل يهمني من يحميني إذا كان “فتوة” يعيش على الإتاوة، أم دولة تستنزف الموارد ولا تقوم بواجبها؟
هذا واقع جديد من الفوضى التي هزت الدول وعلينا أن نواجهه. ومثل الصحة، فإنك تفترض وجود الأمن إلى حين تفقده. وأمام فقدانه تصير تبحث عن البدائل. المشكلة هي احتمال أن تجد نفسك بعد حين في مشهد صراع فتوات من نوع آخر كأنه استقدم من مسلسل “الفتوة” المصري. تصير تأمل بأن يفوز “الفتوة” الطيب على “الفتوة” الشرير. يبقى أهون من فوز الميليشيا الشريرة على الميليشيا الطيبة –إذا كان هناك من ميليشيا طيبة– أو على الشرطة والأمن.