لا يوجد دولة في العالم لم تعانِ فيها المرأة من التمييز أو الاضطهاد، أو من العنف البدني والنفسي. وتتغير الأمور وتتحسن ببروز نساء واعيات قادرات على العطاء في هذا المجال، لذا تنجح القضية ولو بعد حين، أما في حال رفع لواء هذا المطلب العادل محامٍ “فاشل” فإنها بلا شك لن تقف على أرضية صلبة ولن تكسب التعاطف المطلوب، ولا التفاعل الذي يُنمّي هذه القضية لتكون جزءاً من حاجة أفراد المجتمع. ومن يتتبع التاريخ النسوي سيجد صفحات كثيرة تحتاج منا إلى القراءة والتأمل، فيظهر أن لكل بلد أسلوبا مختلفا في طريقة التعاطي مع النشاط الحقوقي بشكل عام، والنسوي بشكل خاص. كذلك نفس النشطاء يختلفون في منهجية تقديم قضاياهم وطرحها لكسب الجماهير التي هي وقود أي قضية من القضايا
لو عدنا بالتاريخ إلى ما يزيد عن مئة عام، وتذكرنا تلك المرأة التي اشتعلت نيرانها من داخل الرق والعبودية في أمريكا، وهي “هاريت توبمان”، التي عانت في طفولتها من الرق، ونالت أسواط العذاب والضرب، هذه الجرائم في حق إنسانيتها أشعلت بداخلها ناراً ألهبت قضية تحرير نفسها والعبيد آنذاك. والخط الفاصل في حياة هاريت حدث أثناء مرضها، فأراد سيدها التخلص منها إلا أنها لم تصل للقيمة -المادية- التي يطمح لها، هنا اشتعلت في داخلها قيمتها -الإنسانية- التي لا يشعر بها الأسياد آنذاك، فهربت وعملت على تهريب عائلتها وعدد كبير من أسرى الرق، فصدر قانون من الكونجرس الأمريكي في القبض على العبيد الهاربين، مع ذلك نجحت في الوصول إلى كندا لتكسب بذلك إنسانيتها وحريتها، مع ذلك لم يصدر في الولايات المتحدة قانون يلغي العبودية والرق إلا بعد هذه الحادثة بحوالي 20 عاما
وفي سياق آخر للقضايا الحقوقية، ومن أمريكا إلى مصر، وتحديدا في عهد الملك فاروق حيث قامت الدكتورة عائشة راتب، برفع دعوى ضد المجلس القضائي الذي رفض تعيينها وهي المؤهلة علميا لتكون (قاضي) بحجة أن العمل القضائي للرجال فقط، ومرفوض اجتماعيا، وناضلت لقضية المرأة وها نحن اليوم نرى النساء في سلك القضاء المصري يتواجدن بأعداد ليست بالقليلة، أما عائشة راتب فقد تقلدت المناصب التي تستحقها، وفي عهد أنور السادات وصلت إلى منصب وزيرة.
بين القضيتين التي سردت أعلاه ملخص بسيط لكل منهما، يتضح التاريخ النضالي النسوي، بزوايا مختلفة، وآليات تتناسب مع حجم كل قضية وشكلها وطريقة التعاطي معها، فالأولى ساهمت في إشعال فتيل الثورة على الرق، وتعاملت مع القضية بحلول وقتية للتخلص من العبودية، وذلك بالهروب والتسلل إلى الشمال. أما الثانية فقد تعاملت من خلال آليات قانونية دون تحدي الآخرين، إنما بالاتجاه إلى الدستور والأنظمة والبحث فيها لتجد أنه لا يوجد ما يتعارض مع هذه الوظيفة للمرأة، وعائشة راتب حصلت على التعليم الأكاديمي والشهادة المناسبة لتفتح أوراق هذه القضية العادلة، فلم تكن مثلا ذات تعليم بسيط أو قدرات أقل من أن تكون بحجم الوقوف على قضيتها، وقضية نساء كثيرات أمثالها
ما يهمني إيصاله هو ما نجده في تاريخ السير النسوية في كثير من الطرق التي تفتح المجال أمام كل امرأة صاحبة قضية، ولتنجح لا بد أن تحمل مقومات النجاح، والمهم أن يكون نضالها وفق القوانين والأنظمة دون أن تتجاوزها، وأن تملك القدرة على حمل هذه القضية، بهذا تُمهد الطرق وتفتح الأبواب، عاجلا أم آجلا