فيتنام أيضاً متخوّفة من إدارة بايدن ، بقلم : عبد الله المدني
مما لا شك فيه، أن فيتنام قطعت شوطاً كبيراً في النمو الاقتصادي، بحيث أصبحت اليوم إحدى الدول الصناعية المهمة في جنوب شرق آسيا، وإحدى الدول المصدرة للأسواق الأمريكية تحديداً، من بعد أن كانت قبل 30 سنة، ضمن أفقر دول العالم.
العوامل التي كانت وراء النهضة الفيتنامية عديدة: أولها التخلي عن الاقتصاد الاشتراكي، لصالح الاقتصاد الحر، وفق الخطة المعروفة بـ DOI MOI، والتي سمحت بتملك الأراضي، وتأسيس الشركات الخاصة، وخفضت معدلات الفقر والبطالة، ورفعت حجم الصادرات، وثانيها، تطبيع العلاقات مع العدوة الأمريكية السابقة، والتي مهدت الطريق أمام رفع واشنطن حظرها الاقتصادي على هانوي، ما سمح بتدفّق الاستثمارات الأمريكية، وتصدير المنتجات الفيتنامية إلى الأسواق الأمريكية، وثالثتها، انضمام هانوي لتكتلات تجارية كبرى، مثل «آسيان» و«الشراكة عبر المحيط الهادئ»، ناهيك عن توقيعها اتفاقيات تجارة حرة مع الاتحاد الأوروبي، الأمر الذي جعلها جاذبة للاستثمارات الأجنبية، خصوصاً مع رخص الأيدي العاملة فيها (في عام 2019 مثلاً، بلغ عدد مشروعات الاستثمارات الخارجية المسجلة 28.600 مشروع، بقيمة إجمالية بلغت 350 مليار دولار).
ثم جاءت الحرب التجارية بين واشنطن وبكين، لتخدم فيتنام أكثر من أي قطر آخر. حيث نقلت شركات أمريكية عديدة أعمالها من الصين إلى فيتنام، وصارت الأخيرة قبلة بديلة للكثير من المورّدين الأمريكيين (ذكر تقرير لبنك الاستثمار الياباني «نومورا»، أن فيتنام واحدة من أكبر الرابحين من تلك الحرب التجارية، وأن تجارتها نمت لهذا السبب بنسبة 8 %).
تصدّر فيتنام إلى الولايات المتحدة سلعاً متنوعة، تشمل الإلكترونيات والهواتف الذكية والملابس والأخشاب والأثاث وإطارات السيارات والأدوات الرياضية وغيرها، ما يعني أنها عوّلت، منذ انفتاحها الاقتصادي، على الصناعة، من أجل التصدير، كقاطرة للنمو.
والملاحظ في هذا السياق، أن ميزان التبادل التجاري بين البلدين، يتميز بفائض لصالح فيتنام، وصل هذا العام إلى 49.4 مليار دولار، ما جعلها صاحبة خامس أكبر فائض مع الولايات المتحدة، بعد الصين والمكسيك واليابان وألمانيا. وقد حاول الرئيس ترامب، معالجة هذا الوضع المختل، من خلال الضغط على هانوي، كي تشتري المزيد من البضائع الأمريكية.
فأقدمت فيتنام بالفعل ــ تفادياً لغضب ترامب وعقوباته المتوقعة ــ على توقيع صفقات مع واشنطن بمليارات الدولارات، ومنها صفقة بقيمة 12.7 مليار دولار، تمّ توقيعها في أوائل عام 2019 (على هامش استضافة هانوي محادثات السلام بين ترامب ونظيره الكوري الشمالي كيم جونغ أون، وقّع البلدان صفقة، اشترت فيتنام بموجبها 100 طائرة مدنية من طراز بوينغ 737 ماكس، لكن الصفقة انهارت لاحقاً، بسبب مخاوف تتعلق بسلامة هذا الطراز). والمعلوم أن ترامب، الذي أشاد بفيتنام آنذاك، سرعان ما غيّر رأيه، ووصفها بأنها «أكبر منتهك للتجارة الأمريكية»، ما أصاب المسؤولين الفيتناميين بالحيرة.
واليوم، باتت الخلافات التجارية بين واشنطن وهانوي، أكثر علانية، حيث اتهمت إدارة ترامب فيتنام بالتلاعب، والمبالغة في سعر عملتها، خصوصاً بما يتعلق بأسعار الإطارات التي تصدرها للولايات المتحدة (الدولار الأمريكي الواحد يساوي حالياً 23200 دونغ فيتنامي، وقد أكدت هانوي أن سعر صرفها لن يستخدم لخلق ميزة تجارية غير عادلة)، والقيام بالغش التجاري، من خلال وضع اسمها على سلع منتجة في الصين (نفت هانوي هذا الاتهام، وتعهدت بملاحقة المصانع والشركات التي تزور شهادات المنشأ الجمركية لبضائع صينية)، والقيام بتصدير أثاث مصنوع من أخشاب غير مشروعة المصدر (تتهم بعض الدول الأوروبية فيتنام، بصناعة أثاث أخشابها مسروقة من غابات في كمبوديا المجاورة)، وغير ذلك من الاتهامات، التي تعتبرها واشنطن مهددة للوظائف الأمريكية.
ومما يجدر ذكره، أن مستشار الأمن القومي الأمريكي روبرت أوبراين، الذي زار هانوي مؤخراً، نصح الحكومة الفيتنامية، بضرورة التوقف عن إعادة توجيه المنتجات الصينية، وشراء كميات أكبر من البضائع الأمريكية، كيلا تفرض واشنطن عقوبات تجارية عليها، في صورة رفع الرسوم الجمركية.
وجملة القول، أن القادة الفيتناميين مرتبكون اليوم، بسبب محدودية الخيارات أمامهم، فهم ينفون الاتهامات الأمريكية، ويأملون ألا يعاقبهم ترامب، بفرض عقوبات عليهم، في ما تبقى من ولايته، كيلا يلتزم بها ساكن البيت الأبيض الجديد، جو بايدن. ومما قيل، إن قادة هانوي امتنعوا حتى الآن عن تهنئة بايدن بفوزه، تفادياً لغضب ترامب، الذي قد يصدر قراراً بفرض عقوبات تجارية على بلادهم، خصوصاً أن بايدن ــ على ما يبدو ــ ليس في وارد إحداث تغيير كبير في السياسات الترامبية، من تلك التي تضع مصالح الولايات المتحدة الاقتصادية في المقام الأول.
ولعل ما يؤكد الجزئية الأخيرة، أن أنتوني بلينكين مرشح بايدن لتولي حقيبة الخارجية، سجل عنه قوله إن إدارة بايدن «ستستمر في استخدام التعريفات، عندما تكون هناك حاجة إليها، لكن عبر خطة استراتيجية»، متعهداً بالتطبيق الصارم لقوانين التجارة الأمريكية في أي وقت يشكل فيه الغش الأجنبي تهديداً للوظائف الأمريكية. هذا، ناهيك عما قاله مرشح بايدن لوظيفة مستشار الأمن القومي جيك سوليفان، من أن العقوبات ضد التلاعب بالعملة، يجب أن تكون جزءاً من السياسة الأمريكية.