12:35 مساءً / 24 نوفمبر، 2024
آخر الاخبار

وطن بسعة جهنم .. بقلم : د. مروة متولي

في أعماقه يبقى الرحيل هاجساً لا يقر ولا يهدأ يستعصم به من وهدة الواقع الدميم، تلفه حيرة مرة غامضة وهو يتأمل صورة الوطن الذي يتحلل إلى أقاليم ومذاهب وقبائل وطوائف، لا يرى سوى أشتاتاً متداخلة مركبة ومعقدة عبثت بها يد خائنة ولا تزال تجذر الواقع الرهيب وتثبت أركانه، لا يعرف عبارة يمكن أن يصف بها أزمته فكيف له أن يتغلب عليها ويتحرر منها، يقف خموله العقلي كشاهد صدق على المآل الكئيب الذي آل إليه ..

كانت رغبة ملتاعة يائسة أن يتنسم يوماً نفحة من أريج الحرية، وها هو الآن يتوب عن ذنب الحلم بعد أن أرهقت حقائق الوطن الجارحة عقله وروعت روحه، بعد أن أدرك أن المأساة هي أن المأساة لن تنتهي ولن يقوى أحد على فعل أي شيء … وأنه يعيش معركة طويلة ليس فيها انتصاراً أبداً، وأن ذاته قد دمرت فغدت خراباً لا يصلحه تحول وليس هناك من هاد ولا دليل ولا سند ..

كل شيء في وطنه ينزع الأمان من النفس ويدمر ويروع، في وطنه ينهمر شلال حالك السواد، في وطنه ترقص أشباح الموت حول فكرة الدم، في وطنه لا فناء للحاكم المتربص أبداً بالبشر، الحاكم الذي يجسد الشر والنهب والتدمير، الذي يمسخ الوطن ويفرغه من مخزونه التاريخي والاجتماعي إلى أن يجعل منه عبثاً ..

في وطنه يستولون على مساقط الغيث ومنابت الكلأ، عبثاً يبحث في هذا الوطن عن الضرورات فما بالك بالأحلام والمخاوف، في وطنه يقضون على كل ما يمنحه مشروعية الوجود الإنساني، على كل ما يجعله جديراً بإنسانيته، يحطون من قدره ويجردونه من حيويته، يفقدونه يقظة الروح ونسمة الحياة، كل شيء في وطنه يولد الشعور بعدم وجود مكان له في الوطن الذي ولد فيه، كل شيء يولد الشعور بعدم كونه إلا منبوذاً ..

 في وطنه باتت معاني الفساد والإجرام أصيلة مترامية في أرجائه، في وطنه يشيع المبتذل والتافه والقبيح حيث تهبط القيم النبيلة وتعلو القيم المرذولة المخادعة المنحطة وتمتد وتتسع وتتعمق، يشيع تخلف مروع دون ريب وثقافة يسيطر عليها الوعي الزائف قد استقرت في النفوس منذ زمن، في وطنه ضوضاء تصم الآذان تنطق ظلماً وخداعاً ..

 لا شأن له بمن يهجعون في ظلال الغبطة الكاذبة والاطمئنان العقلي الكاذب مخادعة للذات وتضليلاً لها، هؤلاء الذين لا يواجهون العالم ليرون موقعهم فيه، أي كاذب سيكون إذا ما استمر مصدقاً أضحوكة أنه من أولئك القوم التواقين إلى الانعتاق والتحرر، فالقيد منغرس في العقل يمتزج بالدم ويتشبث بالروح، وحده يعرف حقيقته، ووحده عليه أن يحمل خيباته ويمضي ..

متأهب هو للرحيل إذا ما وجد فرصة للفرار من وجه الوطن، إلا أنه يدرك يقيناً أن الوطن سيتبعه حيثما ذهب وأنه سيظل يسدد ضريبة الوطن، من حياته.

د. مروة متولي

شاهد أيضاً

لماذا نقرأ كتاب “بيغن” في عهد “نتنياهو”؟ بقلم : بكر أبوبكر

لماذا نقرأ كتاب “بيغن” في عهد “نتنياهو”؟ بقلم : بكر أبوبكر “العالم لا يشفق على …