“إذا” أخرى تكفي ، بقلم : علي الصراف
تقول إدارة الرئيس المنتخب جو بايدن إنها تريد العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران “إذا التزمت بتعهداتها فيه”. وليس ذلك سوى شرط أول يتعين أن تعمل الإدارة الأميركية على التدقيق فيه.
إيران لم تلتزم بتعهداتها. وهي تعمدت خرقها على سبيل الابتزاز والتهديد. ولقد أثبتت كل سنوات ما بعد توقيع الاتفاق في العام 2015، أنها بقيت تقوم بأعمال البحث والتطوير، وأضافت منشآت نووية جديدة ومختبرات، حتى من قبل أن يعلن الرئيس دونالد ترامب الخروج من الاتفاق. وعلى الفور بدأت إيران استئناف أعمال تخصيب اليورانيوم ونجحت بالفعل في رفع مستوياته وكأن الاتفاق لم يكن. وهو ما يعني أنها إذا كانت أوقفت جانبا من حلقات إنتاج اليورانيوم، فإنها لم توقف الجوانب الأخرى، ومنها تطوير الصواريخ الباليستية المؤهلة لحمل رؤوس نووية.
ماذا يعني ذلك؟ إنه يعني شيئا واحدا هو أن إيران لم تحترم الاتفاق من الأساس، ومارست كل أعمال الخداع من أجل فتح ثغرات فيه.
وهناك سبب وجيه لذلك. هو أن النظام الإيراني يؤمن بأن القوة هي ما يبقيه موجودا. وإنه بحاجة إلى بناء ما يكفي منها إذا ما تعرض لضربات عسكرية لكي لا يسقط.
وهناك خلف هذا السبب، سبب آخر. هو أن هذا النظام لا يعيش من دون أن يمارس أعمالا عدوانية.
“تصدير الثورة” مبدأ دستوري من مبادئ النظام. وهو يعني، بمنتهى البساطة، السعي إلى زعزعة الاستقرار في أي مكان يجد له منفذا طائفيا إليه.
زرع الميليشيات، والقيام بأعمال الاغتيالات والتخريب والإرهاب وكل أشكال الجريمة المنظمة الأخرى، هي جزء من آليات عمل ذلك المبدأ.
باختصار، الطبيعة العدوانية للنظام هي جزء من هويته ومن تصوره العقائدي لأسباب وجوده. وهي نفسها التي تقف وراء شعوره بالخوف. وهذا بدوره هو السبب وراء حاجة النظام إلى أن يبني قوة عسكرية رادعة.
يعرف النظام الإيراني، في إطار هذه الحاجة، أنه لا يستطيع أن يكسب أي معركة بالوسائل العسكرية التقليدية. بمعنى أنه لا يستطيع كسبها بالطائرات ولا بالدبابات ولا المشاة، ولا حتى بالصواريخ نفسها. فإذا كان ذلك هو الحال، فما هو شكل الردع الذي يشعر بالحاجة الماسة إليه؟
المشروع النووي الإيراني لم يتوقف، ولن يتوقف، لهذا السبب. إنه الغطاء الوحيد للأصل الدستوري في النزعة العدوانية. وإيران تعرف أنها لا تملك خيارا آخر. الخيار الآخر الوحيد هو أن تتوقف عن أعمال العدوان، لتشعر عندئذ بالهزيمة، وأنها خسرت مبرر وجودها كمشروع طائفي. وهو مشروع وجد من الأساس لكي يكون مشروع دمار وتخريب، يتيح لإيران أن تتوسع وأن تقوم بتصدير همجيتها العقائدية وتخلفها العقلي وانحطاطها الفكري.
ولقد نجح هذا الأخير في أن يقدم نماذج خارقة في مستوى الضحالة السياسية والفساد والرذيلة والقدرة على الدجل، وكل ما شاء المستنقع أن ينتج من عفن ظل يتخذ من الدين ستارا له. والأدلة كثيرة في العراق وفي غيره. وهناك أدلة أكثر تثبت أن إيران تستخدم ميليشياتها لتهديد الولايات المتحدة من ناحية، وللتبرؤ من الجريمة من ناحية أخرى. وهو ما يمكن النظر إليه على أنه عمل جبان. ولكن الأعمال الجبانة، جزء “طبيعي” آخر، وله فقهه الخاص في السلوك الخسيس، يدعى “التقيّة”.
بايدن يريد العودة إلى الاتفاق النووي، “إذا التزمت إيران بتعهداتها فيه”. ولقد ثبت أن ذلك لا يكفي. على الأقل لأنها، حتى وهي تحت ظلال الاتفاق، ظلت تمارس أعمال الإرهاب، وتحرك خلايا الجريمة والعنف والتهديد، ليس فقط في دول الجوار مثل العراق وسوريا، بل وحتى في أوروبا أيضا.
تحتاج العودة إلى الاتفاق إلى “إذا” أخرى. من قبيل، “إذا كفت إيران عن أعمالها العدوانية”، أو “إذا تخلت عن تطوير وإنتاج الصواريخ الباليستية”، أو “إذا سحبت الغطاء عن ميليشياتها في العراق وسوريا ولبنان واليمن”، أو “إذا توقفت عن التدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة الأخرى”، أو “إذا التزمت بوقف الاعتداءات على الممرات الملاحية في الخليج”، أو “إذا التزمت بتقديم تعويضات عن أعمالها التخريبية ضد منشآت أرامكو”، أو “إذا تخلت عن مبدأ تصدير الثورة”، أو “إذا توقفت عن تخطيط وتنفيذ أعمال الإرهاب والجريمة المنظمة في أوروبا وباقي دول العالم”، أو “إذا عادت لتكون دولة طبيعية لا تمارس تهديدات ولا تعيش في خوف”.
كل أنماط الـ”إذا” المختلفة هذه تكشف عن حجم المعضلة التي تواجه إدارة الرئيس بايدن، وذلك بمقدار ما تكشف عن طبيعة النظام الإيراني نفسه. ولكن يكفي أن يختار وزير الخارجية الأميركي الجديد أنتوني بلينكن “إذا” واحدة منها. واحدة فقط. وسيعرف أن هذا النظام وُجد لكي يكون على ما هو عليه. ولا تنفع معه أي اتفاقات، ليس لأنه لن يحترمها، بل لأنه لا يستطيع أن يحترمها من الأساس.
هناك مثل يقول “دود الخل، منه وفيه”.
إن الخساسة والفساد والرذيلة والدجل والعنف والإرهاب، كلها أنماط من ذلك الدود في خل الولي الفقيه.