استئناف علاقة السلطة بالاحتلال ليس مفاجأة بقلم : ماجد أبو دية
كما كل مرة، هو ذات المخرج، وزير الشؤون المدنية حسين الشيخ، هكذا تكون النهاية لكل أزمة تدخل فيها السلطة مع اسرائيل، عودة إلى ذي بدء، دون أية مكاسب أو منجزات، سوى تضليل الرأي العام بمجموعة من الأوهام والأكاذيب، لقد قلنا منذ اليوم الأول، أن رفض السلطة لاستلام أموال المقاصة من إسرائيل، بحجة الالتزام بتنفيذ قرار أبو مازن بقطع العلاقة مع اسرائيل، لم يكن قراراً صائباً، لأن هذه الاموال هي أموال فلسطينية، وتشكل المورد الأهم لخزانة السلطة، ومثل هذا القرار يمثل مجازفة كبرى، تداعياتها طالت الحياة العامة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وبهذا القرار أدخلنا أنفسنا طوعاً، في بيت الترويض والابتزاز الإسرائيلي، الذي بدأ بمطالبة السلطة بعودة التنسيق الأمني، والقادم أخطر وأسوأ.
ستة شهور من أزمة المقاصة، كانت كفيلة بتحقيق فوائض لدى البنوك الاسرائيلية تقدر بحوالي 2.5 مليار شيكل، قابلها ارتفاع كبير في الدين العام وصل لحوالي 26.8 مليار شيكل، حيث ارتفع خلال الشهور التسعة الأخيرة فقط بحوالي 2.3 مليار شيكل، بسبب لجوء السلطة إلى الاقتراض من المصارف الفلسطينية، حتى تستطيع دفع رواتب موظفيها، بقيمة النصف طيلة فترة الأزمة.
التمنع عن استلام أموال المقاصة طيلة الشهور الستة الماضية، كان مكلف ومكلف جداً علينا نحن الفلسطينيين، ونحن نمر بجائحة كورونا التي شلت الحياة الاقتصادية، وعطلت معها الحياة العامة، وكنا أحوج ما نكون لكل الأموال الفلسطينية المحجوزة في البنوك الاسرائيلية، ليس للحفاظ على المستوى الطبيعي للانفاق الحكومي العام بما فيه رواتب موظفي السلطة، أو المعدل الطبيعي للنفقات التطويرية، بقدر ما كنا بأمس الحاجة للوقوف الى جانب الأسر المتضررة من جائحة كورونا، وإلى جانب أصحاب المشاريع الصغيرة التي تمثل حوالي 90% من النشاط الاقتصادي الفلسطيني.
كان اقتصادنا الفلسطيني الذي أصابه الوهن بأمس الحاجة إلى مالنا الذي استفادت منه البنوك الإسرائيلية، وتكبدنا نحن مئات ملايين الشواقل فوائد على قروض لم نكن بحاجة لها، لقد دفعنا فوائد حوالي 242 مليون شيقل عام 2018، وحوالي 167 مليون شيكل خلال عام 2019، ومن المؤكد أن الفوائد التي تحملناها هذا العام ستكون أكبر.
ستة شهور من الأزمة، كنا في غنى عنها، دفعت شعبنا إلى أتون الفقر والبطالة، والمزيد من الألم دون أي مقابل، سوى بيع الأوهام، والترويج لانتصارات فقاعية.
لم تستمع السلطة إلى صوت العقل والمنطق، وإلى نداءات ونصائح كل المتخصصين والوطنيين والحريصين على مصلحة شعبنا، والإتحاد الأوروبي، عندما طالبوها باستلام أموال المقاصة دون تردد، قبل الدخول في متاهة، مخرجاتها ستكون مزيداً من فقدان الثقة بقيادة تغامر بمصلحة شعبها، وتعمق معاناته، وتزيد آلامه، وتقضي على أية آمال للأجيال الضائعة في سنوات الانقسام، بتحسن في المستقبل، وعملية تنمية تجد لهم متسعاً في الصراع المرير على الحياة، خاصة في غزة.
للمرة الواحدة بعد المائة، نجد أنفسنا ملزمين باستخلاص العبر من كل جولات الصراع الفاشلة مع الكيان الاسرائيلي، والتسلح جيداً بأدوات ضغط فعالة، والارتكاز على بدائل حقيقية، تشكل سنداً لشعبنا، وتكون سداً منيعاً في وجه الابتزاز الصهيوني.