الحرب الأهلية الأمريكية الجديدة بقلم : د. أيمن سمير
يحلو للبعض أن يشبه الوضع السياسي الذي تمر به الولايات المتحدة الأمريكية من انقسام كبير في الوقت الحالي بالأوضاع السياسية وانقسام النخبة الذي أدى للحرب الأهلية الأمريكية خلال الفترة “1861- 1866” و التي انتهت بهزيمة ما كان يسمى بولايات الكونفدرالية الأمريكية التي كانت تضم ولايات جنوبية، وقتل في الحرب الأهلية الأمريكية أكثر من 750 ألف شخص، وهو أضعاف عدد القتلى الأمريكيين في الحربين العالمية الأولى والثانية، فهل من تشابه حقيقي بين الأوضاع الأمريكية في 2020 وبين عام 1860؟ وإلى أي مدى توجد محفزات ودوافع نحو الحرب الأهلية في عموم الولايات المتحدة في الوقت الحاضر؟
رغم التقارب الشديد بين نتائج المرشحين الديمقراطي جوزيف بايدن والرئيس الجمهوري دونالد ترامب، وتأخر إعلان نتائج الفرز حتى كتابة هذه السطور، وتلويح الرئيس ترامب بالذهاب للمحاكم العليا في كل الولايات المتأرجحة ثم الذهاب للمحكمة الدستورية العليا في واشنطن، بالإضافة إلى التخوف من عدم خروج الرئيس الأمريكي من البيت الأبيض يوم 20 يناير القادم وعدم التسليم السلس للسلطة، إلا أن سيناريو الحرب الأهلية الأمريكية يظل بعيدًا وغير مطروح على الأقل في الوقت الحالي نظرًا لمجموعة من العوامل.. ومنها:
أولاً: عندما اندلعت الحرب الأهلية الأمريكية لم تكن الولايات المتحدة تجاوزت 90 عاماً على تأسيس الدولة في 4 يوليو 1776، لكن اليوم هناك أكثر من قرنين من الاستقلال، تعززت من خلالهما الوحدة الأمريكية، وجنى الأمريكيون ثمار هذه العائلة الواحدة، خاصة بعد الحرب العالمية الثانية وانهيار الاتحاد السوفيتي وتحول الولايات المتحدة للقيادة العالمية، كل ذلك لم يكن موجودًا عام 1860 عندما اندلعت الحرب الأهلية، واليوم تعد المواطنة الأمريكية والباسبور الأمريكي حلم الملايين حول العالم، لأنها تظل حتى اليوم أكبر اقتصاد في العالم بـ 20.4 تريليون دولار، ويبلغ نصيب المواطن الأمريكي سنويًا أكثر من 68.8 ألف دولار، كما أن الولايات المتحدة تعد هي الأقوى في العالم بميزانية دفاعية وصلت إلى 717 مليار دولار في ميزانية 2019-2020، كما أن الولايات المتحدة أكثر دول العالم استقرارًا منذ الحرب الأهلية التي اندلعت في القرن التاسع عشر، ولا يتخيل أحد أن يضحي المواطن الأمريكي بكل هذه الامتيازات من أجل دونالد ترامب أو جو بايدن.
ثانياً: لا يوجد في الولايات المتحدة جيوش للولايات كما كان في الحرب الأهلية، فحكومات الولايات اليوم لا تمتلك أي نوع من الأسلحة الثقيلة التي يمكن أن تقود حرباً أهلية، وبموجب المادة الثانية من الدستور يحق لكل مواطن أمريكي أن يحصل على سلاح، وذلك نظرًا لأن طبيعة جغرافيا الولايات المتحدة الشاسعة والتي تبلغ أكثر من 7.5 مليون كلم ويسكنها فقط ما يقرب 370 مليون نسمة جعل المساحات شاسعة بين البلدات والمقاطعات خاصة في مناطق تغطيها الغابات والثلوج، وهو ما يدفع المواطن لاقتناء “سلاح شخصي” خفيف للدفاع عن نفسه، ولذلك لا يمكن أن تكون هناك حرب أهلية لأنه لا يوجد السلاح الذي يمكن أن يحارب خلال الحرب الأهلية، نعم الولايات المتحدة فيها حوالي 80 ميلشيا مسلحة، وهذه الميلشيات تنتمي لليمين واليسار، وتاريخ الميلشيات طويل في الولايات المتحدة بدأ مع الحرب الأهلية، لكن في النهاية كل ما يمكن أن تقوم به هذه الميلشيات هو أعمال عنف “محدودة” على غرار أعمال العنف التي أعقبت مقتل المواطن الأمريكي الأسود جورج فلويد، وفي حال تدخل الحرس الوطني بأقل عدد لا يمكن أن يكون هناك أي تأثير لهذه الميلشيات.
ثالثاً: الانقسام الحالي في الولايات المتحدة هو انقسام “سياسي وحزبي” وليس انقسامًا جغرافيًا أو جهويًا، بمعنى أنه داخل المدينة الواحدة والقرية الواحدة بل و داخل الأسرة الواحدة هناك من هو ديمقراطي ومن هو جمهوري، وليس الانقسام بين الولايات الشمالية ونظيرتها الجنوبية كما كان في الحرب الأهلية الأمريكية، فكل حزب له داعمين ومناصرين على كل الأراضي الأمريكية من الشرق للغرب ومن الشمال للجنوب، فالحزب الديمقراطي مثلاً معقله الرئيسي في ولاية نيويورك في الشمال الشرقي على المحيط الأطلنطي، بينما معقله الرئيسي في الغرب في ولاية كالفورنيا على المحيط الهادي، فكيف يمكن أن تشتعل الحرب الأهلية الأمريكية في ظل هذا التداخل؟.
رابعاً: نتيجة للتعديلات الكثيرة التي أدخلت على الدستور الأمريكي باتت هناك “خريطة طريق” لحل أي خلاف أمريكي داخلي، وفي ظل التقارب الشديد بين المرشحين الديمقراطي والجمهوري هناك مسار واضح للوصول بالمرشح الفائز للبيت الأبيض، فإذا لم يحصل أي مرشح على 270 صوتًا بشكل صريح ومقنع يمكن إجراء ما يسمى “بالانتخابات الطارئة” وهي إجراء انتخابات للرئيس داخل مجلس النواب، ويحق لمجلس النواب أن يختار من يشاء، سواء كان المرشح الحاصل على الأصوات الأعلى أو من يليه، وفي عام 1824 اختار الكونجرس المرشح الثالث وليس الأول أو الثاني، كما أن المحاكم الأمريكية تستطيع الفصل في أي خلاف كما حدث عام 2000 أثناء الخلاف بين جورج بوش الإبن وآل جور في ولاية كاليفورنيا، سواء من خلال محاكم الولايات أو الذهاب في النهاية إلى المحكمة الدستورية العليا التي اكتمل عقد أعضائها التسعة بتولي القاضية باريت الشهر الماضي، وفي حال فشل كل ذلك يستطيع الكونجرس أن يسمي نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب كرئيس بالإنابة قبل يوم 20 يناير القادم وهو اليوم الذي يفترض أن يدخل فيه الرئيس الجديد للبيت الأبيض حتى لا يكون هناك فراغ في السلطة.