شفا – تقهقر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في منطقة شرق المتوسط، وذلك مع إعلان “أنقرة” اليوم الأحد، سحب سفينة التنقيب “أوروك ريس” من المناطق المتنازع عليها مع اليونان في شرق المتوسط، بعد سلسلة من تهديداته إلى اليونان وقبرص، وإشهار عزمه على الحرب، ليرجع في النهاية كمن عاد بـ”خفي حُنين”، جارًا ذيول الخيبة والندامة.
وأرجع محللون ومتابعون، التراجع المفاجئ لـ”أردوغان” على هذا النحو، لعدة أسباب، منها الضغط الأمريكي الذي وضح خلال زيارة وزير الخارجية مايك بومبيو إلى قبرص، وتوقيع اتفاقية تتضمن إنشاء مركز تدريب دولي دفاعي في الجزيرة، وإعلانه أن واشنطن لا تزال “قلقة للغاية” من الجهود التركية المستمرة في مسح الموارد الطبيعية في المناطق الخاضعة لسلطة اليونان وقبرص.
وأشار محللون، في تصريحات لـ”الغد”، إلى أن الضغوط استكملت في ظل عزلة منتظرة على تركيا، وذلك مع استمرار حشد فرنسا لفرض عقوبات على أنقرة، في اجتماعات الاتحاد الأوروبي، نهاية الشهر الجاري.
في هذا السياق، قال الكاتب والمحلل السياسي مصطفى طوسة، إن “أردوغان” رضخ لتهديدات الاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات عليها كانت مقررة في 24 سبتمبر الجاري وضغوط الولايات المتحدة، حيث هناك وعي أمريكي بأن المغامرة التركية في شرق المتوسط، كان بإمكانها تفجير المنطقة وإشعال حرب إقليمية، لذلك كانت هناك خطوات أمريكية، أفهمت القيادة التركية، أن من مصلحتها الانسحاب والعودة إلى طاولة المفاوضات.
وأوضح “طوسة” في تصريحات لـ”الغد”، أن فرنسا كانت تمارس عملية “شد الحبال” مع “أردوغان”، وفرضت شروطًا للتفاوض، من بينها سحب هذه السفينة التي تنقب عن النفط والغاز، وإيقاف العمليات العسكرية بالمنطقة.
وأشار إلى أن السجال الشخصي بين “أردوغان” والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ستكون له آثار سياسية على مستوى العلاقات بين أنقرة وباريس، إذ إن ما كانت ترفضه دول الاتحاد الأوروبي، هو التصرف تحت الضغط العسكري الذي كان يقوم به “أردوغان” مستهدفًا سياسة الأمر الواقع.
وتابع: “تصريحات وزير الدفاع التركي خلوصي أكار حول أن عودة سفينة بلاده الخاصة بالتنقيب عن النفط والغاز إلى تركيا لا تعني تخلي أنقرة عما وصفها بحقوقها بشرق المتوسط، موجهة للاستهلاك الداخلي بعد أسابيع من خطاب تركي لتصعيد الجبهة الداخلية”.
فيما أكد مدير المركز الجيوسياسي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا، نوفل الضو، أن تركيا بدأت تستسلم في شرق المتوسط بعد الضغوط الأوروبية والعزلة الدولية.
ولفت إلى أن المؤشرات خلال الـ24 ساعة الماضية، تدل على أن تركيا بدأت الاستسلام أمام الضغوطات التي تتعرض لها، نتيجة مواقفها الأخيرة، والقيادة التركية في صدد دراسة معمقة للمعاني التي حملها الموقف الأمريكي والأوروبي من قبرص واليونان.
وأشار إلى أن ما كان يسعى إليه “أردوغان” بتحركات عسكرية ليمد نفوذ بلاده عسكريا واقتصاديا عن حدود بلاده المعترف بها دوليا، انقلب تحجيما للدور الجيوسياسي التركي بالمنطقة، في حين أن “قبرص” الجزيرة الصغيرة التي كانت في موقف ضعف، بدأت تستقطب السياسات الدولية، وباتت موقع رهان أمني وعسكري أمريكي وأوروبي وبريطاني.
وأردف: “أردوغان مضطر للتراجع في ظل الضغوطات الدولية والأوروبية والعربية التي دفعته إلى إعادة حساباته على الأقل في المرحلة الحالية، وليس أمامه سوى التوجه للمفاوضات والقانون الدولي، وهما منا لم يكونا في مصلحته، لأن قوانين البحار واضحة “.
فيما تحدث المحلل السياسي طارق وهبي، قائلا في تصريحات لـ”الغد”، إن أردوغان يلعب على جميع الأطراف، ولذلك جاءت طاولة مفاوضات مرتقبة بقيادة واشنطن.
وأشار إلى أن “أردوغان” سحب السفينة ويقول إنه ما زال يحتفظ بحقه في التنقيب، وذلك له علاقة بالشروط التي ستفرض في المفاوضات، في الوقت الذي رفعت فيه اليونان استعداداتها التسليحية، بصفقات متطورة مع باريس.