فلسطين وجماعات الثمن الباهظ ، بقلم : إبراهيم الزبيدي
لو لم يكن الذين شنوا حملة الرفض للاتفاق المزمع توقيعه بين دولة الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل هم الذين ظلوا سنين طويلة يهددون إسرائيل بجعلها تدفع الثمن الباهظ، من خامنئي إيران إلى أردوغان تركيا وصولا إلى حماس فالإخوان المسلمين، لكان علينا أن نتوقف عندها، وننظر في مبرراتها ودوافعها وأسبابها، ونفرز حقَها عن باطلها. ولكن، هؤلاء لم يرحموا فلسطين ولم يسمحوا لرحمة الله أن تنزل عليها.
انتظرهم الفلسطينيون، ونحن معهم، سنوات عديدة لتحرير فلسطين و”محو إسرائيل” فلم نحصد سوى الخيبة والندم وخسارة الدم والمال والكرامة. وسيكون علينا أن ننتظرهم سنوات وسنوات أخرى يهتفون بموت إسرائيل، وجعلها تدفع الثمن الباهظ، دون نتيجة. ففي العجلة الندامة، وفي التأني السلامة، والله مع الصابرين.
شيء آخر. لو أن الذين غضبوا وشتموا وتنادوا بمقاطعة الإمارات لو كانوا قد اعترضوا، ولو بكلمة واحدة، من قبلُ، على تطبيع قطر مع إسرائيل، وعلى الاتفاقات العسكرية والأمنية والمخابراتية والتجارية والسياسية التي عقدها السلطان أردوغان مع حكومة نتنياهو، لكان لهم الحق في محاكمة الآخرين.
فهؤلاء جميعا أقاموا أمجادهم وحققوا أرباحهم واستمروا في حكم بلادهم ولم ينفعوا فلسطين بشيء أبدا أبدا.
بالمقابل تظل فلسطين، بحكم صلة الدم والعقيدة، لكل عربي حر وأصيل وشريف أمانة في عقلَه وروحه، ويُحزنه، تحت أي ظرف، أن يرى أحدا يمس شقيقه الفلسطيني بسوء.
وقد استشهد كثيرون، وسجن كثيرون، وشرد كثيرون، من أجل فلسطين ولكي يأخذ الشعب الفلسطيني الشقيق حقه في الحياة الحرة الكريمة، أسوة بباقي شعوب الدنيا الواسعة، وحتى يقيم دولته المستقلة وينتصر.
وقد دفع كل ساكن في أي من الدول العربية، من المحيط إلى الخليج، بشكل أو بآخر، نصيبه من ثمن الحروب التي خاضتها جيوش الأمة وشعوبها من أجل استعادة الحقوق العربية في فلسطين، ووقف الظلم والاستيطان والاستحواذ، وإحلال السلام العادل الشامل الذي يستحقه الجميع.
وليس سرا أن كل رصاصة أطلقتها المقاومة الفلسطينية، على مدى خمسين عاما، كانت من تبرعات الجماهير العربية، وحكوماتها.
ولم تخسر الأمة في حروبها مع الكيان الصهيوني المال وحده، ولا الدم وحده، بل خسرت الكثير الكثير من أمنها واستقرارها، ومن فرص التقدم والبناء والتعمير.
ولعل ابتلاءها بأنظمة حكم دكتاتورية فاسدة فاشلة وظالمة، بذريعة فلسطين، وبشعارات تحريرها من النهر إلى البحر، هي أفدحُ الخسائر التي خَرّبت حاضر الأمة، وأفسدت مستقبل أجيالها، لعشرات قادمة من السنين.
ألم تحتل إيران العراق وسوريا ولبنان واليمن وتهدد الخليج وتعبث بأمن الناس وكراماتهم وأرزاقهم، بحرسها الثوري وبفيلق قدسها وميليشياتها، باسم فلسطين؟
ألم يتاجر أردوغان وحلفاؤه وممولوه القطريون بفلسطين، وهم المقيمون أفضلَ العلاقات التجارية والأمنية والثقافية مع إسرائيل؟
ألم تكن الأنظمة الدكتاتورية ومنها، نظام حافظ الأسد ووريثه بشار وصدام حسين ومعمر القذافي وعمر البشير وجماعة الإخوان المسلمين، تعتقل وتغتال، وتحيي وتميت، من أجل تحرير فلسطين، وهم كاذبون منافقون؟
بقينا خمسين عاما، في الساحات والإذاعات، نهدد بأن نجعل إسرائيل تدفع الثمن الباهظ مقابل جرائمها بحق الشعب الفلسطيني ومصادرة أرضه، ولكن الذي كان يحدث باستمرار هو ازديادها قوة، إلى حد أن تلك الدويلة الصغيرة قد أصبحت، بعد نصف قرن، القوة الضاربة الأقوى في المنطقة، تتجول طائراتها في سماواتنا العربية والإسلامية بحرية؛ تقصف وتحرق وتفجر وتقتل؛ لا من سامع ولا من مجيب.
أما العالم، وأما الأمم المتحدة، وأما الشرعية الدولية، فشياطينٌ خُرس تقف مع الظالم ضدّ المظلوم، ومع السارق ضدّ من تعرض للسرقة، في زمن “حكم القوي على الضعيف”.
وبالعقل، وبهدوء، وليس بالشعارات والهتافات والشتائم، ينبغي الإقرار بأن العالم اليوم معسكران.
الأول هو معسكر أميركا وأوروبا والغرب عموما، وضمنَه دولُ الخليج العربية ومصر والأردن، وضمنه إسرائيل أيضا، شئنا أم أبينا.
والثاني هو معسكر روسيا والصين وإيران، وضمنه الحرس الثوري الإيراني وحزب الله والحوثيون والحشد الشعبي العراقي ومرتزقة أردوغان في تركيا وقطر وحماس والإخوان المسلمون.
الأول، وبالدليل الملموس، هو معسكر الأمن والاستقرار والبناء والتكنولوجيا والصناعة والتجارة الحرة والرخاء والحرية والعدالة وحقوق الإنسان.
والثاني، وبالدليل الملموس أيضا، هو معسكر التجهيل والإفقار والإمراض والتيتيم والتهجير والتسفير والقمع والردع والقتل والسحل والخطف والاغتيال وقلة أدب المسلحين والماء الآسن والهواء الفاسد والرشوة والتهريب والمتاجرة بالمخدرات والاختلاس وترويج الخرافة.
نعم، فلسطين محتلة، والجولان محتل، ولكن من سيحارب لتحريرهما، إيران أم بشار أم حسن نصرالله أم الحوثي أم الحشد الشعبي العراقي أم حماس أم قطر أم الإخوان المسلمون أم تركيا أردوغان حليف نتنياهو وصديقه اللدود؟
ألا يصح القول إذن إن اعتداءات النظام الإيراني، ومؤامرات النظام التركي وأطماعه، وطقطقات حزب الله، وتهديدات ميليشيات الحشد الشعبي، وصواريخ الحوثي، هي أهم وأقوى الأسباب التي أجبرت حكومات الخليج العربية، شعوبا وحكومات، على البحث عن أي وسيلة متاحة لاتقاء هذا الخطر المحدق بها، والاحتماء بالعدو وبالصديق طلبا للحماية، وعلى مضض؟
فمن يلام، إذن، حين تقفز دولة الإمارات العربية المتحدة فتضع يدها بيد نتنياهو، نكاية بقطر، وخوفا من إيران وتركيا وحزب الله وحماس والإخوان المسلمين؟
سؤال آخر، الآن وقد حققت إسرائيل هذا الاختراق الكبير لجدار النظام العربي، ووصلت إلى مياه الخليج العربي، بعد أن كانت قد خيمت على ضفاف البحر المتوسط والأحمر والميت ونهر الأردن، ألا يصح القول إن الخاسر هو الولي الفقيه، قبل غيره وأكثر من غيره، بسبب أطماعه وأحقاده الطائفية العنصرية، ثم أردوغان بسبب أحلامه في إعادة الحياة إلى عظام الإمبراطورية العثمانية وهي رميم؟