حقائق على هامش الاحتلال التركي لليبيا بقلم : منير أديب
تتعاظم الأطماع التركية ليس في ليبيا فقط وإنما في أفريقيا بأكملها، وربما يكون الطمع التركي أكبر في مصر، ومن هنا جاء الإصرار التركي على احتلال الأراضي العربية في ليبيا وعدم إخفاء نواياه، بل وجدنا تركيا تُعبر عن ذلك صراحة، فهي تعتبر ليبيا أمانة عثمانية وجب ردها لحظيرة الإمبراطورية التي يُحاول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان استردادها من جديد.
ثمة حقائق لا بد ألا تغيب عن المتابع للتحركات التركية في المنطقة، أهمها أن العثمانيين يسعون لاندلاع صراع مسلح في الدولة الأفريقية الجارة، وأنهم يرفضون بالطبع أي حلول سياسية وألا تكون هذه الحلول ليبية ليبية، فتركيا دخلت ليبيا لتبقى، وبقاؤها له علاقة بمحاولة استعادة الهمينة التركية على المنطقة العربية.
فنجد الحكومة التركية تتحدث باسم حكومة الوفاق فهي بمثابة المندوب السامي لليبيين، وتقوم بدور الوصي على المقدرات الليبية في مشهد أقل ما يوصف بأنه غزو عثماني استخدم الدين من أجل تحقيق حلمه في استعادة تركة الإمبراطورية العثمانية الزائلة، فنجحت في بناء حكومة شقاق وليست وفاق في ليبيا.
أدوات التدخل التركي واضحة ولا تخفيها الحكومة التركية التي تُرسل المرتزقة السوريين إلى ليبيا لقتال المعارضين لتدخلها حتى يستتب لها الأمر، تقوم بتدريب هؤلاء المرتزقة داخل المعسكرات التركية، الذين أتوا للقتال باسم الدين على أرض ليبيا، حتى إذا ما تم التأهيل تم إرسالهم إلى خطوط التماس لقتال الجيش الليبي.
من الحقائق التي لا يمكن أن نغفلها في المشهد الليبي وتؤكد النوايا التركية، دعوة أردوغان وحكومته للجيش الوطني الليبي الانسحاب من مدينتي سرت والجفرة بهدف إفشال المبادرة المصرية التي طرحتها القاهرة لإنهاء حالة الانقسام التي ضربت المشهد الليبي، وهنا يبدو الأمر عجيبًا، فالمحتل التركي لا يريد أن يخسر عتاده، فيدعو جيش الدولة المحتلة للتراجع عن الخطوط الاستراتيجية بالنسبة له حتى يعود هو ليحتلها!
تسعى تركيا لجر المنطقة العربية لخطر من خلال اندلاع حرب بما يُهدد الأمن القومي المصري، وهنا تهديدات تركيا في الأساس لها علاقة بشكل مباشر بتهديد الأمن القومي العربي، وهو ما يؤكد الأطماع التركية في الإرث الزائل، فاتخذت من ليبيا ذريعة لتهديد الأمن القومي المصري، واتخذت من مصر هي الأخرى ذريعة لتهديد الأمن العربي.
حاول رجب طيب أردوغان عندما وصل إلى السلطة في تركيا، الانفتاح على العالم العربي، وعندما تحقق له الأمر ونجح في بناء جسور تواصل عربية فوجئنا به يعبر عن نواياه الحقيقية في استعادة المملكة التركية، فلم يكن هدفه استرجاع التاريخ وإنما هدفه أكبر من خلال استرجاع الأرض التي ظن في وقت ما أنها أمانة وآن وقت عودتها.
تريد تركيا أن تضع يدها على منابع النفط والغاز في سرت والجفرة، فالأطماع التركية تجمع بين الاقتصاد والسياسة، عودة الإمبراطورية العثمانية وإعادة احتلال الأرضي التي سبق وسيطرت عليها في الماضي والحصول على ثروات قاع المتوسط والتي تقدر بــــــ 1200 تريليون قدم مكعب من الغاز وهي الدولة التاسعة بين دول العالم في استيراد الغاز، فضلًا عن وجود قرابة ملياري برميل بترول، وبالتالي جاء التمسك التركي بغزو ليبيا.
لا يمكن الفصل بين الأهداف السياسية والاقتصادية في الغزو التركي لليبيا، فكلما تعاظمت الأهداف الاقتصادية وجدنا إصرارًا تركيا على عودة إمبراطوريتها القديمة وهو هدف سياسي، وكلما بذلت جهودًا سياسية في طريق عودة المملكة الزائلة أدركنا أنها مصرة على تحقيق أهداف اقتصادية من وراء الاحتلال والغزو لدول العالم.
سبق واستنزفت تركيا العراق وسوريا وما زالت تفعل ذلك، وتقوم بنفس الدور في استنزاف ليبيا وكل ما جاورها، وكل الدول التي سوف تتأثر بالاحتلال التركي لهذه الدولة الافريقية، فبينما احتلت أراضي عراقية وسورية وليبية، ما زالت تدخل حربًا أخرى مع الأكراد وضد القومية الكردية التي تكافح من أجل البقاء على قيد الحياة.
لا بد من مواجهة قوية وحاسمة مع تركيا في مخططها الرامي للسيطرة على المنطقة العربية من خلال خوض معركة معها والتأكيد على السيادة الليبية وعدم السماح باحتلال شبر واحد من الدولة الأفريقية، ومساندة الأكراد في تحقيق حلم الاستقلال والحياة والوقوف أمام حق قبرص واليونان في سيادتهما على أراضيهما، مواجهة المشروع التركي تحتاج مزيدًا من التضافر والجهد، مشاريع التوسع والاحتلال دائمًا تحتاج إلى جهود معقدة على كل المستويات من أجل وقف نزيف الاستعمار الحديث للأتراك وتفكيك محاولاتهم لنشر الفوضى في المنطقة من خلال دعم مشروع جماعات الإسلام السياسي.