مُنصِف السّلاوي و مُحاكمة نتنياهو! بقلم : المحامي ثائر أبو لبدة
تتقاطع صفتيّ الرذيلةُ والفضيلةُ، في نُقطة التَلاقِي التي تمحقُ فيها الأولى وتُحَّقُ الأَخيرةُ ؛ وَفي أسبابِ التلاقي بينَ النقيضتينِ ؛ فإنّ أهمها على الإطلاقْ هو استقامةِ نفوسِ الأغلبيةِ العامَةِ وحاجَتهمْ الدائمةُ ؛ لتفوقِ بيئةِ العدلِ وسُموِ درجةِ العلمْ.
مُنصفْ؛ المَغربيُ المولودُ مُنتصفَ القرنِ المَاضِي ، غادرَ أكاديرَ السَاحليةَ شابَاً يَافعاً ؛ مملوءاً بحُبِ العلمِ، ومُؤمِناً بقداسةِ الحُلّمِ. ومنْ سَاحلِ الأطلسيِ الشرقيّ ؛ وبعدَ سنواتٍ طوالْ مِنَ الجدّ والكدّ ؛ رَسَتْ سَفينةُ المُنصِفِ في بيتِ أمْريكا الأبيضْ؛ ليُصبحَ الشَابُ اليافعُ رجُلَ المُهمةِ الصعبةِ ، وقائدِ الحَربِ عَلى الوَباءْ العَالميّ.
فَضِيلةُ العلمِ تكْمنُ في فَضلهِ عمّا سِواهُ ؛ ولمّا للعالمِ فِي علمهِ مِنْ قيمةٍ عظيمةٍ لا تفنَى ولا تزولْ أبدَاً. فإنّ علومَ ابْنِ أكاديرْ الذي تجاوزَ عقدَه السادسَ من العمرِ ؛ جعلتْ منهُ خيارَ الإدارةِ الأمريكيةِ ورئيسَ ولاياتها ؛ مُلبسينَه تاجَ القيادةِ؛ ليترأسَ العالم عربيُ المنشأ؛ الفريقَ الأمريكي للبحثِ عنْ لقاحٍ مُضادٍ للفايروس التاجيْ.
السِلاوي؛ الذّي مكثَ في الغربِ خمسةَ عقودٍ كَاملةٍ ؛ لم يَجدْ طريقاً تَجذبهُ إلى الشرقْ ، ورغمّ أنّ الرجلَ يشاركُ بالرَأيِ في محافلِ الشرقْ المُختلفَةِ ، وهو أيضاً عضوٌ في مجلسِ أمناءِ جامعةِ ” حمد بن خليفة ” القَطريةِ ، إلا أنّ بيئةَ العلمِ ومكانةَ العُلماءِ في الشرقِ العربيّ ، هي من تلكَ الأكثَرِ دنواً على مُستَوى العالمْ ، الأمْرُ الذّي يَجعلُ منَ العلماءِ أمثالَ مُنصفَ وَغيرهِ ؛ لا يُنصَفون إلا فِي بلادٍ تَحترمُ بها المجتمعاتُ والحكوماتُ ؛ مَكانةَ العلمَ الرفيعة ومنزلةَ العلماءْ الجَليلةِ!
ومن متلازماتِ الإنصافِ؛ العَدلُ؛ وهوَ توأمُهُ المقترنُ بهِ على الدوامْ، والذي إذا تحققَ أمسَت حياة الناسِ أفضلَ، ففيهِ قامت السَماواتُ والأرضُ، وفيهِ تستقيمُ الأمُورْ. والعدلُ يخالفُ الجورَ ؛ فالأولُ هو رافعةُ الدولِ وسببُ ازدِهارِها ورفعتِها، أمّا الثاني فهو الهادمُ والمبددُ لأحلام الشعوبُ بالتقدمِ والتفوقْ، وقيمةُ العدلِ تُستَسقَى مِنَ إرساءِ القوانينِ ، و المُسَاواةِ التامةِ في تطبيقها على الجميع دون أيّ تمييزٍ.
إنّ اسْتيفاءَ العَدلِ لقيمتهِ الفُضلَى؛ تكونُ بامتثالِ جميعِ المواطنينَ لمَبادىءِ القانونِ ؛ كانُوا مَنْ كانُوا. وأقربُ مَا نَذكرُ مِنْ أمثِلَةٍ؛ وقوفَ بنيامينَ نتنياهُو البَارحةَ في قاعةِ المحاكمةِ في محكمةِ القدسِ المركزيةِ؛ أمامَ القاضيةَ الإسرائيلية ريفكا فريدمانْ-فلدمان؛ مثلهُ مثلِ أي مُواطنٍ إسْرائيليٍ آخرَ، لهُ مَا لهُ وعليهِ ما عليْه.
نِتنيَاهُو الذّي أنهَكهُ الوُقوفُ فِي قاعةِ المَحكمةِ ؛ التَقطَتْ لَهُ إحدى الكامِيراتْ خِلسَةً ؛ صُورَةً وهوَ يَجلِسُ مسدِلَ الرَأسِ غَافيَ العَينينِ. أما الصُورةُ الأكبرُ والأعمَقْ، هيّ أنّ القانًونَ فوقَ الجَميعْ، وزيراً كانَ أم غفيرْ!
فصلُ القولِ وآخرَهُ؛ إنّ الشعوب لا تستحقُ نصرَ الله إلا باتباعِ الفضائلِ، ولإبنْ تَيميةَ ما يقولهُ في ذلكَ؛ إذْ قالْ: ” أربحُ الناسْ مَنْ أجمعوا على أنّ عاقبةَ العدلِ كَريمةٌ ، وأنّ عاقبةَ الظلمِ وَخيمة “، وأضيفُ بأنّ أخسرّ الناسِ مِنْ لمْ يجمعهُم محقُ الرذيلةِ وَلا إحقاقُ الفضيلة!