السؤالُ الخاطئ في الوقتِ الخاطئ! ( بدكم وطن أكثر ؟ ) بقلم : المحامي ثائر أبو لبدة
طالمّا تعتبرُ الأسئلةُ الخاطئةُ في الأوقاتِ الخاطئة؛ فعلاً بغيضاً فظاً، يُسارُ إلى قلةِ حيلة السائلِ. لا سيما ؛ عندما يصدُرُ السؤالُ ممن يتوجب عليهم تقديم الإجاباتْ.
أتسَاءلُ محدثاً نفسيّ: أيّ مقالٍ يليقُ بهذا المقام! ، وقد اختلطَ على المتابعينَ البسطاءِ أمثالي ، معمعةُ الأدوارُ في روايتنا العقيمة العتيقة ؛ من هو السَائلُ و من هو المَسؤولْ؟!
قدْ يحدثُ أنّ كليهما – السائلُ والمسؤولْ – لا يملكَانِ معرفةَ الإجابةِ ، ليس لصعوبةٍ تكمنّ في مبنى السؤالِ ، ولكنْ لقصورٍ عامٍ في فهم دلالاتهِ التي تنطوي على جلّ الإجابةِ.
بكلّ ثقةٍ وبصوتٍ أجشٍ؛ يسألُ رئيسُ الحكومةِ في رام الله؛ قطاعَ رجالَ وسيدات الأعمال في فلسطينْ، واضعاً في متنِ سؤالهِ خيارينِ اثنينْ لا يتلاقيانِ، على الأقلِ ؛ من بابِِ أدبيةِ السُؤالْ..
” لطالما أرادَ الفَلسطينيُ الشريفُ وطناً أكثر ؛ أكثرَ من أي شيءٍ آخرْ ، سواءاً أكانَ رجلَ أعمالٍ أمْ صاحبَ بسطةِ فجلٍ بلديّ !”
ولأن الخيارانَ متباعدانْ بُعدَ إبليس عن جنةِ خالقهِ؛ كانَ لا بدّ لنا من أنْ نقفَ مذهولينَ، ومصروعينَ؛ أمامَ السقطةِ الصارخةِ في هذا الطرحِ الغيرِ موفقٍ أبداً ، متعجبينَ منَ دونيةِ السؤالِ ومنَ نَرجسيةِ السائلِ!
أمامَ السؤالْ المفخِخِ، نقفُ عاجزينَ عنْ الانفجارِ. لِسَرابٍ مُستحكمٍ أصابَ أرضَ أمنِياتنا؛ والتهمَ أخضَرَها و يابِسَها فأمسّت قحْطاءَ جارَدة. أما مُحدِثُنا فما زالَ يَعدْنا بقيامَةِ السيّدِ المَسيحِ، لكنّهُ عاجزٌ عَن إيفَائِنا باليومِ والسَاعةِ!
“مَنْ يريدُ وطناً أكثَرْ ، فليرْكَبْ بسفينَةِ “الدكتورْ” ، فهيَ من طرازِ السفُنِ التي تَعرفُ سُبلَ النَجاةِ. ولا تَرسُو إلا على شاطىءِ الوطنِ الكاملِ منْ بحرهِ إلى نهرهْ، اللّهم إنّه قَدْ تَبلّغَ وبلّغْ؛ اللّهمَ فاشهَدْ..”
ليْسَ للنِسَبِ العشريةِ أيّ مكانٍ في نَشرةِ الأملِ الصاعدِ الجديدْ ؛ فلقدْ تضمنّ السؤالْ؛ كلمةَ الوطنِ كما هيَ ماثلةٌ في كتبُ النحوِ والصَرفْ؛ دون أيّ تصرفٍ في المَعنى أوْ المبنَى؛ ودون الإتيانِ على أرقام السنواتِ المرتبطةِ بحدود الدولةِ الفلسطينيةِ المأمولة ، أوْ نسبِ ما تبقى منَ الأرضِ مقابلَ ما ذهبَ لصالحِ السَاكنينَ الجُدد!
لكنّ جماليَةَ كلمةِ “الوَطنِ” في السؤالِ الممجوجِ؛ تَنتقصُ مِنْها واقعيةُ الإجابَةِ. فَلوْ قلنَا منْ بابِ التجرُبَةِ؛ نعمْ نريدُ وطناً أكثرْ ؛ والأكثرُ في اللُغةِ تَعنِي ما يفوقُ النِصفَ منَ الشَيءْ؛ فمَا الذي يستطيعُ أن يقدِمهُ السَائلُ، الآنَ، أو بعدَ حينٍ؛ النصفُ، أكثَرُ أو أقَلْ؟ الجَوابُ : لا شَيَء ، سِوى حَلاوَةُ اللّسانْ، “حِصَانِ المَرْحلة”!
الحُكومة الثامنةُ عشرَ ؛ تُجيدُ الحَديثْ المُنّمقَ، ومُدَاعبةَ العَواطفْ؛ أمّا الحَصادُ فَهو ذاتُ الطحينِ الغَثيثِ. فلَمْ يمضِ بضعةُ أيامٌ قليلةٌ عَلى الظهورِ الدراميّ الملحميْ ، وَحديثِ الانفكاكِ عَنْ إسرائيلَ ، حتى انتَشرَ خبرُ اقتراضِ السلطةِ الفلسطينيةِ من جارتها قرضاً حسناً، لا زيادة على استرْجاعِه، أما فائدة الدائنِ فهي تقليصُ فرصِ الانفكاكِ وتعزيزِ فرضيةَ التفككْ!
“لمْ أجد في كتب الجغرافيا، حدودَ الوَطنِ الأكثرْ. وما زادَ البحثَ صُعوبةً؛ عبثُ الدائنِ الدائم بحدودُ المدينْ؛ حيثُ تخجلُ عينُ الأخيرِ عندما يُطعَمُ فمُه..”
ديفيد فريدمان؛ السفير الأمريكي في إسرائيل يريدُ من الفلسطينيين أن يُصبحوا كنديينْ، فريدمان؛ اختار هذا التعبيرْ ، لكيْ يُوحي للفلسطيني بأنّه صاحبُ الخيارْ في أنْ تكونَ إسرائيلُ وجهتهُ وواجهته. تماماً مثلما فعل الكنديون عندما اختاروا الولايات المتحدة الأمريكية لتكونَ نافذتهم
إلى العالمْ!
السؤال الخاطىء؛ يفتحُ بابَ الإحتمالاتِ على مصراعيهِ، حولَ شكلِ الوطنِ المُرادِ، وشَكلِ أكثرهِ. الأكثرُ منْ الحالي المتوفرْ هو أقلّ القليلِ المُخجلْ؛ ورغمَ زيادة العجبِِ بالسؤال العجاب؛ لم تسعفنا اسْتفاضَةٌ تروي ظَمأ العَطشِ لمعرفةِ سبيلِ الوطنِ الأكثرِ وشكلِهْ. هل هوَ ذاكَ القصرُ الذي يحلمُ بهِ القابضونَ على جمرِ الوفاءِ لهذا الوطنْ، أمْ هو حديقةُ القصرِ الخلفيةُ التي هيَ متنفسُ عمالِ الحرَملكْ الوهميْ!