دحلان والانتخابات الفلسطينية القادمة ، بقلم : د. أحمد يوسف
فيما يتكاثر الهرج والمرج حول الانتخابات الفلسطينية القادمة، إلا أن القناعات تتعاظم بأن إجرائها مسألة وقت، وذلك على الرغم من كل محاولات الرئاسة اختلاق الذرائع كمسألة القدس للتهرب منها. نعم؛ هناك جهات تشير إلى تلكؤ حركة فتح وترددها، وعدم حسم الرئيس لقراره في إصدار المرسوم الخاص بذلك، وخاصة بعدما تأكدت رغبة حركة حماس بأنها ستلاحق العيَّار إلى باب الدار، وأنها ستواصل إصرارها على سدِّ باب الذرائع أمام كل من يحاول تعطيلها أو المماطلة في توقيت إجرائها.
من الجدير ذكره، أن حركة فتح في ورطة كبيرة؛ لأن خياراتها كتيار ربما لا تنسجم مع رغبة الرئيس الذي يود في حال إجراء الانتخابات التشريعية أن يخوضها بقائمة واحدة تجمع العناوين الممثلة لمنظمة التحرير، بأي تركيبة كانت وبترضيات تُشكل مكسباً للبعض منها، وهذا نهج أو سياسة إذا ما فرضها الرئيس فقد ننتهي بعدة قوائم أو توائم فتحاوية تتنافس على الرصيد التاريخي لحركة “أم الجماهير” في الشارع الفلسطيني.
يبدو أن المرسوم الرئاسي للإعلان عن موعد الانتخابات التشريعية الفلسطينية أصبح حتميِّة لا يمكن التهرب منها، ولن يستطيع الرئيس الاستمرار طويلاً في التأجيل، خاصة وأن هناك ضغوطات أوروبية ملخصها إمكانية قطع المساعدات المالية عن السلطة الفلسطينية.
كيف يمكن لحركة فتح ترتيب بيتها الداخلي والخروج من نفق الأزمة ومأزق الخلاف، ذلك هو سؤال المرحلة، حيث أن فرص التقريب بين الاتجاهات التي تقف على رأسها قيادات وازنة تصطدم بلاآت الرئيس، وتلك معضلة لا أفق للتوافق والنجاح فيها؛ لأن عقلية الفرد الذي يحكم بمنطق “ما أريكم إلا ما أرى” لا تُعين على تحقيق ذلك الإجماع داخل أطلال البيت الفتحاوي.
إذا أمعنَّا النظر في المشهد الفتحاوي، فإن هناك أربعة تكتلات لها حظوظ أن تحصد نسباً من القوائم المتنافسة، عند دخولها على خط المستقلين، وهي:
أولاً) كتلة مروان البرغوثي، فالرجل بتاريخه ومواقفه النضالية يحظى بشعبية كبيرة في الضفة الغربية.
ثانياً) كتلة د. ناصر القدوة، وهو شخصية سياسية مخضرمة، ويتمتع بمكانة وسط الانتلجنسيا الفلسطينية.
ثالثاً) كتلة د. نبيل عمرو، وهو رمز فتحاوي ووجه إعلامي، وله جمهوره داخل حركة فتح وخاصة في محافظة الخليل.
رابعا) كتلة النائب محمد دحلان وتيار الإصلاحي الديمقراطي، وهو التكتل الأكثر انتشاراً وعدد وعدة في قطاع غزة.
لا شك أن قائمة حركة فتح إذا لم يحدث اختراق يجمع هذا الشمل من التكتلات، فإن فرص ما يخطط له الرئيس أبو مازن لن يتعدى الـ15% على مستوى الوطن.
دحلان وفرص المشاركة في الانتخابات؟
بعد الاتهامات التي وجهها الرئيس أردوغان ووزير خارجيته إلى دحلان بتورطه في شؤون تركية لها علاقة بالإرهاب، ولغة التحامل التي تستخدمها فضائية الجزيرة ضده باستهداف مقصود؛ لاعتبارات لها علاقة باصطفاف دحلان إلى معسكر دول الحصار، وكذلك تربص الرئيس (أبو مازن) وأجهزة السلطة به بعدما تمَّ فصله – بشكل استفزازي – من حركة فتح، ورفع قضايا في بعض المحاكم ضده، فإن القراءة التحليلية لكل هذه التعقيدات ستفضي إلى صعوبة مشاركة دحلان بشكل شخصي في الانتخابات. وعليه؛ فإن السؤال المُلحّ الذي يحتاج إجابة هو: في حال تعذر ذلك، تُرى من هي الشخصية التي ستغطي مشهد هذا الغياب؟
حماس والتحالف مع دحلان؟
في ظل ما سبق من التعقيدات التي فرضتها الاتهامات للنائب محمد دحلان، فإن فرص تحالف حركة حماس معه والتيار الذي يمثله ستكون مكلفة وبالغة الصعوبة، نظراً لأن حلفاء الحركة الإقليميين لن يرضيهم ذلك، بل إنهم ربما ينتظرون من الحركة أن تعمل على ممارسة الضغوط على التيار الإصلاحي لتحجيم حظوظه وفرص ظهوره بالشكل الذي قد يشكل ثقلاً محرجاً للجميع.
حقيقة، لا يمكن إغفال أن دحلان يعي بذكائه ذلك، ولذلك استبق الجميع بتوضيح موقفه من الانتخابات واللغط الذي يدور حول موقفه ومكانته منها، وذلك في اللقاء الذي أجراه مع الإعلامي عمرو أديب على قناة (MBC)، والذي تحدَّث فيه حول رؤيته للانتخابات، وقال كلمة في السياق الوطني تجمع ولا تُفرق؛ باعتباره على رأس قيادة التيار الإصلاحي لحركة فتح، والذي أشار فيها إلى عدة نقاط، تلخص وجهته القادمة، وهي كالتالي:
- إذا جرت الانتخابات فإن من حقي الترشح في المكان الذي أريده، ولكنَّ ممارستي لهذا الحق مسألة أخرى.
- سأقاتل من أجل أن يكون هناك نظاماً فلسطينياً قائماً على الشراكة السياسية، وسأدفع بهذا الاتجاه باسم التيار الإصلاحي في فتح.
- نحن في التيار نرفض الخروج من حركة فتح؛ لأنها ليست حكراً لأحد؛ لا لفرد ولا لعضو لجنة مركزية ولا لرئيس ولا لحركة، فهذا الانتماء هو حق اكتسبناه بنضالاتنا، ولا أحد يملك انتزاع هذا الحق منا.
- نحن طرحنا فكرة وحدة حركة فتح من جديد على قاعدة الشراكة أولاً، وأن نُعطي الكوادر الشبابية الحق في اختيار من سيترشح من القادة في القوائم الانتخابية، وهذا سيكون شرط لنا حتى لا تتم مساواة “الحرامي والفدائي” بنفس المستوى.
- شخصياً؛ ليس لدي أي مطمح شخصي لا في قوائم ولا في انتخابات، ولكن هدفي أن تستعيد حركة فتح كرامتها.
- أنا اليوم جزء من تيار إصلاحي له جمهوره العريض، وله آلاف المشاركين في قطاع غزة والضفة الغربية ولبنان والخارج، وبالتالي لم يعد القرار خلاف بيني وبين الرئيس (أبو مازن)، الآن هناك تيار لديه مؤسسات هو سيأخذ القرار.
- أنا لا أريد أن أترشح، ولكن أريد أن أرى جسماً سياسياً متماسكاً له تأثيره في الحياة السياسية الفلسطينية، وأن يكون رافعة للنظام السياسي الفلسطيني وليس عبئاً عليه كما هو الواقع الآن، وبالتالي كل هذه الإجراءات والقرارات ستؤخذ مع قيادة هذا التيار، وبمساهمة من كل أعضائه، فلن يكون القرار فردياً، حيث عانينا من الفردية، وبالتالي لا أستطيع أن أكرر هذه الفردية في التيار.
هذه النقاط استدعى ذكرها أبعاد الحالة السياسية المترهلة، والتي تتطلب خطاباً وطنياً بامتياز، يتجاوز الفردية والفصيل إلى السياق الجامع الذي ينسجم مع فلسفة الثائر الجزائري الشيخ عبد الحميد بن باديس بتعبيره الخالد: “الحقُ فوقَ كلُّ أحدٍ، والوطنُ قبلَ كلُّ شيء”.
ختاماً.. نعم؛ قد يتفق الشارع أو يختلف مع النائب محمد دحلان لمواقف من الماضي شكَّلت لغة الخطاب وأسلوب المدافعة والندية بين الخصوم السياسيين، والتي سمحت للبعض توجيه اتهامات للآخر بالعمل خارج السياق الوطني!! ونظراً لأننا لم نتعود ممارسة المعارضة السياسية إلا بطعنات العمالة والخيانة، فإن التنافس السياسي تحول إلى عدوات ومفردات إقصائية جارحة “إما أنا أو أنت!!”. ولهذا تعكرت علاقاتنا السياسية بالتعبيرات الإعلامية التي لا تُبقي ولا تذر، حتى فقد المشهد الفلسطيني علامات وطنية مسجلة؛ لأن التصنيفات التي تبادلناها أخذت طريقها لمشهدنا الفلسطيني والعربي والإسلامي، وهذا – مع الأسف – كان إساءة لحالة شعب الجبارين وتضحيات رموزه النضالية منذ أوسلو وتداعياتها الكارثية على الشعب والقضية.
كلمة الفصل أو بيت القصيد هي أن حضور دحلان للمشهد الانتخابي القادم أو غيابه عنه، لن تُغيِّب الرجل ولن تنفي زعامته للتيار الإصلاحي الديمقراطي الذي حفر مكانه كحجر للزاوية في البناء السياسي الفلسطيني القائم.