كوميديا تبادل السلالم بقلم : نبيل عمرو
يحتاج السيد نتنياهو إلى بعض الاستعراضات السياسية والعسكرية لعبور المضيق الصعب الذي يوصله إلى الولاية الخامسة.
من أجل ذلك اختار الجبهة الشمالية بعد نفاد بنك الأهداف على الجنوبية، إذ لم يعد قصف غزة المتكرر أو التهديد بالاجتياح الواسع يرفع منسوب الأصوات لا له ولا لمنافسيه، كان الهدف الاستعراضي هذه المرة هو ضرب الضاحية الجنوبية في قلبها، وبوسعه الادّعاء أن ما تمَّ ضربه هو هدف نوعي، وليس لدى حسن نصر الله ما يوجع أكثر من تدمير معمل ينتج صواريخ دقيقة، وليس لدى نتنياهو ما يباهي به أكثر من تدمير هذا المعمل.
حتى الآن فإن الأمر لا كوميديا فيه بل هو في غاية الجدية إلى أن وصلت أخيراً المسيرات المفخخة إلى أهدافها… نجحت أو فشلت لا أحد يعرف بالضبط.
الفصل الكوميدي بدأه حسن نصر الله في خطابه المثير الذي أبهج قلوب مستمعيه وأضحكهم ليس سخريةً منه وإنما إعجاباً، فلحسن نصر الله جمهور ينتشي بخطبه ويسعد باللقطات الكوميدية التي دأب على إنتاجها، وأعترف بأنني واحد من المواظبين على سماع خطبه، ومن المعجبين باللقطات الكوميدية التي تتضمنها، ذلك أن الكوميديا السياسية هي فن تعبوي وليس فكاهياً.
لقد أسقطت إحدى الطائرات الإسرائيلية بحجر، ولعله تعلم هذه اللقطة من أدبيات الفلسطينيين الذين قدموا الحجر كسلاح تأثير شامل، فمن خلال انتفاضتهم الأولى حقق الفلسطينيون ما لم يستطيعوا تحقيقه بالدبابات والطائرات والصواريخ الدقيقة والعادية!
كذلك ابتهج المتابعون حين وجَّه كلامه للجيش الإسرائيلي بإدارة الوجوه نحو الحائط مثلما يؤمر الطلبة الذين لم يقوموا بواجباتهم المدرسية بالوقوف على رجل ونصف، كانت هذه لقطة كوميدية أضحكت المستمعين على الجيش الذي لا يُقهر بما في ذلك الضباط الذين يوجدون على الجبهة الشمالية، الذين تملؤهم الحيرة في معرفة ما سيفعل بهم بعد حكاية الوقوف على رجل ونصف!
ولأن الكوميديا تجرّ كوميديا على الطرف الآخر فقد ردَّ نتنياهو بطرفة من عيار ثقيل، إذ اخترع آلية دمية وملأها بدمى تمثل جنوداً وضباطاً وسيَّرها على مرمى قذائف صواريخ الحزب، ونادراً ما كانت تسير آليات كي تُضرب وتُحرق ولأول مرة تُنقل الدمى بمروحية لتلقي العلاج في مستشفى رامبام في حيفا.
هذه الكوميديا التي امتصَّت تهيجاً ظهر على الجبهة الشمالية ليومين يمكن تسميتها مسرحية تبادل السلالم للنزول عن أعالي الأشجار، فحسن نصر الله لو فعل ما يوازي نبرة خطابه الأول لوقعت حرب واسعة هو أول من لا يريدها والعالم كله كان على استعداد لعمل المستحيل كي يتجنبها، أما نتنياهو الذي أطلق مائة قذيفة دخانية على أرض فراغ لو فعل بعض ما هدد به كمادة انتخابية لاحترق السهل كله، وهذا ما لم يكن ليريده على الأقل خلال هذين الأسبوعين.
التقط نتنياهو السلم الذي قدمه حسن نصر الله من خلال رده المتواضع والتقط نصر الله السلم الذي قدمه نتنياهو وهبط الاثنان معاً عن أعلى الشجرة «ويا دار ما دخلك شر».
الكاتب الصحافي الإسرائيلي رون بن ياشاي التقط الفكرة، وكتب مقالاً بعنوان «نتنياهو راضٍ وحسن نصر الله مبسوط»، وإلى اللقاء في فصل قادم.