في ذكرى رحيل الكبير محمود درويش بقلم : ثائر نوفل أبو عطيوي
في الذكرى الحادية عشر لرحيل الشاعر والكبير محمود درويش، يبقى المتربع وحده على عرش الشعر العربي حداثةً وأسلوباً وانفراداً وتميزاً، فهو الذي أعطى للشعر وحداثته في واحة اللغة العربية بعداً جديداً منفرداً في حد ذاته، من خلال الأسلوب الشعري في انتقاء الكلمات والمفردات، وجعلها عقداً ثميناً متألقاً في صدارة الشعر العربي الحديث، لأن الكبير محمود درويش صنع من نفسه ولنفسه مدرسةً خاصة في واحة الشعر والأدب تعتمد على رؤية مترابطة المضمون متكاملة الأوصاف ومتشعبة الحكايات، تتحدث عن الماضي والحاضر والمستقبل وفق مفاهيم إنسانية، تعبر في طياتها عن القيم والأهداف والآمال والطموحات للوجود الإنساني من جهة، وتعبر عن القياس النفسي للحالة الإنسانية في رحاب الفرح والحزن والألم والسعادة والأمل واليأس، التي تجتمع كلها في عالم عنوانه انهض واستمر لا بأس … ، فعلى هذه الأرض ما يستحق الحياة.!؟
الكبير محمود درويش أضاف للشعر العربي الحديث أيقونة تعبيرية مجردة ومنفردة في سياق الأسلوب السهل الممتنع ، ليعلن بعد الرحيل أن للشعر أبواباً مؤصدة لا يملك مفاتيحها إلا من أدرك معنى الفكرة والانسان تمام الأدراك ، وليعلن بأن الشعر ما هو إلا عبارة عن مساحات واسعة القوافي والفصول ، وممتدة الإبحار عبر المسافات دون حواجز أو قياسات، حتى تبقى ذكرى الشاعر خالدةً رغم مرور الليالي وأيم البعاد الطويلة بعد غياب الجسد وبقاء الروح بكينونتها تعطي للقصيدة بعداً اضافياً انسانياً لمعنى الشعر في ظل الكلام المتاح وغير المباح…
محمود درويش قام بتوظيف البعد الإنساني والوطني معا لمعنى عدالة القضية الفلسطينية عبر قصائده الشعرية، لتكن مزيجاً معتقاً بين واحة المفردات وحدائق الذكريات وصهيل الحاضر حتى يكون بمقدورها أن تمتطي صهوة الزمن القادم وفق رؤيته الإبداعية، ونحب الحياة ما استطعنا إليها سبيلا…
استطاع شاعرنا الأجمل محمود درويش، أن يربط البعد الانساني في كافة قصائده ويجعلها في حالة تواصل مع الأرض والحياة، فقد كان بارعاً ومبدعاً في توظيف الخصوصية وتحويلها إلى العمومية، وكان كثير الانزعاج من ربط بطاقة هويته الشعرية باللون السياسي فقط.، وكان أيضا يعلم أن الحياة ماهي إلا أيام معدودة. !، وأن لاعب النرد يربح حيناً ويخسر حيناً…
محمود درويش وضمن الإطار العام لمحتوى القصيدة الشعرية الحديثة الذي أخرجها إلى النور، بعدما كانت تعاني من حالة الفتور وصقلها في رحى التنور ليعطيها انبعاثاً جديداً في واحة الأسلوب وامتلاك زمام اللغة وتطويعها إلى لوحة فنية كاملة متكاملة تحاكي رؤية الشاعر وروح القارئ معاً وفي وقت واحد.
سيبقى الكبير محمود درويش متربعاً على عرش مملكة الشعر الحديث من خلال قصائده المتناثرة والمتناسقة والمتباعدة لمترامية الأطراف والأهداف، وستبقى رمزية درويش في الشعر حداثة الشعر المعاصر، تأخذ قراءها للذكريات الماضية والأحلام المسافرة والحكايات الحاضرة، التي تعتمد في تكوينها على مستقبل حالم بغد أجمل وهو القائل … ولنا أحلامنا الصغرى، كأن نصحو من النوم معافين من الخيبة… لم نحلم بأشياء عصية… نحن أحياء وباقون، وللحلم بقية…
وفي الختام لروح محمود درويش وردة وسلام.