الحالة الفلسطينية … وضوح غامض بقلم : فؤاد أبو حجلة
شفا – لا يختلف الحال الفلسطيني الراهن في صعوبته وشقائه عما سبقه من مراحل، وإن كان الواقع الفلسطيني الآن أشد صعوبة وأكثر تعقيداً نتيجة ارتفاع وتيرة الضغط وانتقال الأطراف المعادية من حالة التآمر الخفي إلى الاستهداف المعلن، وتحول الولايات المتحدة من دولة ترعى الاحتلال وتحميه تحت ذريعة مستفزة تعبر عنها واشنطن بجملة “من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها” إلى دولة تتبنى المشروع الاحتلالي بمجمله وبكل تعبيراته الفجة، وتعمل على تمكين الكيان الاحتلالي في كل الأرض الفلسطينية، وتسعى إلى فرض الهيمنة الإسرائيلية المطلقة على الإقليم.
لم يختلف شيء، فلا اتفاق أوسلو المشؤوم استطلع تغيير الواقع الاحتلالي على الأرض ولا المفاوضات اللامنتهية حققت نتيجة أو ساهمت في تخفيف وطأة القمع الاحتلالي لأهل الأرض.
لكن، طرأ تغيير جوهري على مستوى الموقف، فقد جنحت إسرائيل وأمريكا إلى الوضوح السافر في الوقت الذي اختارت فيه القيادة الفلسطينية أن تنتقل من حالة الوضوح السياسي إلى الغموض والضبابية في الموقف الفعلي الذي يتجاوز البيان الرسمي والتصريح السياسي ويعبر عن نفسه بخطوات وإجراءات ميدانية على الأرض وحراك سياسي في الإقليم وفي العالم.
بعد قرار دونالد ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الاحتلالي وبعد نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى المدينة المقدسة، لم يعد الغموض القيادي مقبولاً في الشارع الفلسطيني، بل إن التفسير الشعبي لهذا الغموض يتجه نحو الاستنتاج بضلوع القيادة في مؤامرة “صفقة القرن” التي تجاهر برفضها إعلامياً بينما تصر على التمهيد لتحقيقها من خلال تحقيق الفصل بين الضفة الغربية وقطاع غزة، والتمسك بالتنسيق الأمني مع الاحتلال، والتشبث بمشروع الحل التفاوضي كخيار وحيد للتسوية بما يعنيه ذلك من تجريم للفعل الشعبي المقاوم.
ترفض قيادة السلطة في الضفة بشكل معلن صفقة ترامب وصهره اليهودي، وكذلك تفعل قيادة سلطة حماس في غزة، لكن الطرفين يصران على المضي في مشروع الانقسام وصولاً إلى الفصل المعلن بين الضفة والقطاع بكل ما يعنيه ذلك من كارثة وطنية. وليس خافياً أن الصفقة المخجلة لا يمكن أن تمر إلا بالفصل بين جناحي الدولة الموعودة.
في السياق ذاته لا نظلم القيادة الحالية بالقول إنها ساهمت في التمهيد للخطوات الأمريكية الحالية حتى قبل وصول اليمين المسيحي المتصهين إلى الحكم في الولايات المتحدة، فقد مر زمن طويل على دفن مشروع الدولتين، وكانت إسرائيل ولا تزال تغير الواقع الجغرافي والديمغرافي من خلال توسيع الاستيطان لتحقق وجوداً يهودياً في الضفة يحول جغرافياً واجتماعياً دون إعلانها جزءاً من الدولة الفلسطينية.
كانت القيادة الرابضة في المقاطعة، وكذلك قيادة حماس المستوطنة في السرايا تدركان منذ زمن أن مشروع حل الدولتين انتهى ومات واقعياً، لكنهما لم تطرحا بدائل، ولم تلجأ أي منهما إلى تفعيل خيارات أخرى ممكنة في فلسطين، منها خيار المقاومة الذي ترفضه وتبذه سلطة رام الله وتتاجر به سلطة غزة.
من الخيارات أيضاً كان خيار التوجه إلى تبني مشروع جديد يدعو إلى الدولة الواحدة ثنائية القومية أو متعددة القوميات، لأن المكون البشري الإحتلالي ينتمي في الأصل إلى قوميات عديدة ومختلفة لا يجمعها غير الدين، لكن السلطتين كانتا وما زالتا تصران على رفض التفكير بهذا الخيار.
هناك وضوح فلسطيني في رفض صفقة القرن، لكن هناك غموضاً قاتلاً في ما يتعلق بكيفية مواجهة هذه الصفقة وإحباطها، لأن القرار الفلسطيني ما زال قراراً سلطوياً لا يعبر عن كنه الموقف الشعبي مما يجري.
ولعل من المفيد، لتبديد الغموض والتعرف إلى الموقف الحقيقي، استطلاع آراء الناس وليس الفصائل، في كيفية التصدي لهده المؤامرة، وكيفية تفعيل العمل الفلسطيني في الداخل وفي الخارج أيضاً لصد الهجمة والانتقال من حالة رد الفعل إلى حالة الفعل الحقيقي.
قبل سنين قال الشهيد غسان كنفاني: “إذا فشلنا في الدفاع عن القضية فيجب أن نستبدل القيادة… لا أن نستبدل القضية”. كان الشهيد محقاً في ما قال، وكأنه كان يقرأ ما سيأتي.
ربما تعتقد الجامعة العربية أن النظام الفلسطيني هو صاحب القرار، لكن واقع الحال يؤكد أن لا قيادة في فلسطين يمكن أن تتجاوز الموقف الشعبي أو تختلف معه، وإن فعلت فإنها تكون قيادة انتحارية.