توفيق أبو خوصة يكتب.. المناضل القديس”أبو ظافر”
في مثل هذا اليوم تصادف الذكرى الخامسة و العشرون لرحيل رجل ليس ككل الرجال ، صنع ملحمته التاريخية و حفر إسمه بحروف من ذهب في سفر النضال الوطني ، عمل بصمت و رحل بصمت ، قدم ما قدم و ما لم يقدمه أحد و مضى بإبتسامته الدائمة و روحه التي تبعث الدفء و الحياة فيمن حوله حتى وهو يواجه غول الموت السرطاني ، هذا الرجل الذي يحفظه عن ظهر قلب كل من عاش معه أو عمل معه على مر سنوات عمره النضالي المثقلة بالتحديات ، و يرى فيه النموذج الأصيل للقائد و الإنسان معا في كل موقف .
الشهيد الحي محمود أبو مذكور ” أبو ظافر ” الذي إقتحم عباب بحر مرحلة التحدي و إثبات الوجود على طريقته الخاصة ليقدم النموذج و القدوة و يساهم في صناعة ثورة حقيقية قامت على بناء الإنسان و و الثقة بالنصر في صراع الإرادات مع المحتل الغاصب ، العظيم أبو ظافر الذي حدد خياره مبكرا و سار نحوه بلا تردد ، إختار الإنتقال من موقع رجل الأعمال و المقاولات في مجال البناء و الإعمار وجني المكاسب المادية ليترك هذا العالم بما فيه من إغراءات و تحقيق للذات ، لينحاز إلى ذاته التي ظل يبحث عنها في كل محطات حياته بالإنحياز إلى شعبه و قضيته الوطنية عبر البوابة الأوسع لفلسطين الوطن و الشعب و الهوية ، نعم من خلال حركة فتح الديمومة تقدم الإنسان الطليعي أبو ظافر بثقة الثائر الحقيقي ليمارس قناعاته الثورية و الوطنية على كل المستويات .
نعم بمنظومة القيم السامية و المبادىء الأصيلة و الأثر الطيب و السيرة النبيلة التي شكلت نهجا عمليا و طريقا مطروقا لا بالشعار بل بالممارسة العملية و الرؤية الفكرية الواضحة التي أرسى دعائمها الشهيد القائد ” أبو ظافر ” أينما حل فهو باق في وجدان كل الشرفاء و الأحرار ممن عاصروه و للأجيال اللاحقة أيضا ، بالرغم من أن هذه النماذج الثورية و الأعلام النضالية يجري تغييبها أو تجاهلها بقصد أو بدونه ، لأن ما حملوه من مبادىء و بشروا به من قيم يتعرض لفيض من الإنتهاكات و التجاوزات بشكل مفتوح على كل أبواب الإنحلال و التحلل من قيم الثورة و بعدها النضالي و الكفاحي .
القائد الطليعي أبو ظافر الذي اختار أن يكون المناضل و ليس المقاول ، جاء إلى فتح بكل ما يملك ، و ضحى بكل ما يملك في مرحلة البناء و التأسيس الأولى في لجان الشبيبة للعمل الإجتماعي و حركة الشبيبة الطلابية ، وإنشاء اللبنات الأساسية في هذا الجسم النضالي و النقابي الذي شكل الضمانة الوحيدة لديمومة الفعل الثوري و التحرري على الساحة الفلسطينية ، بعد إنكسار النواة المركزية للثورة و طردها من الساحة اللبنانية و تشتتها في أصقاع الأرض ، لقد أيقن أبو ظافر بأن السر كان و ما زال يكمن في هذه الأرض المقدسة التي عشقها القائد أبو ظافر و عشقته و أعطاها أكثر مما أعطته ، ومن هنا سار على درب القادة الطلائعيين و صنع نموذجه الخاص في التضحية و الفداء و العطاء ، بينما هناك الكثير ممن إنضم إلى فتح كمناضلين و تحولوا إلى مقاولين إنتهازيين و رجال أعمال فاسدين .
في هذه الذكرى الأليمة نستحضر روح الظافر دوما أبو ظافر الشهيد الحي فينا ، لتدق على جدران الخزان و تهز وجدان كل من يحتفظ بطهارة الثورة و الوفاء لرجالها الأطهار ممن صدقوا الوعد و العهد ، فأنت القائد الميداني و الأسير المناضل والمقاتل الشرس و الأب الحنون و الأخ الوفي و القدوة الحسنة و المعلم الملهم ،، أنت أصالة فتح و فتح الأصالة ،، ليستمر الهجوم نحو بوابات الحرية و الإستقلال ، وهنا أقول له “يا صاحبي ما أسهل النضال ضد الإحتلال إذا ما قورن بالنضال ضد الأنذال و الساقطين و تجار الوطنية”، بكل بشاعة الإحتلال و جبروته كان يعرف الرجال الرجال وحتى عندما كان يعتقلهم أو يطلق عليهم النار كان في داخله يحترمهم و يقدر لهم أنهم يناضلون ضده و يضحون من أجل شعبهم و مستقبل وطنهم برغم كل الحقد العدواني و حدة الصراع الذي كنت في القلب منه ، أما في زمن الأنذال الذي إستنسر فيه البغاث ، فقد تم إمتهان كرامة المناضلين و سادت العمالة و الهمالة و تقدم تجار الوطنية على الوطنيين الحقيقيين ، لقد أصبح الوطن سلعة خاضعة للمساومة و الوطنية الحقة ما يملكه الشرفاء و الأحرار الذين باتوا لا يملكون من أمرهم شيئا ، هؤلاء القابضون على جمر المرحلة رغم الإقصاء و الإلغاء و الشطب و التهميش و التطفيش ، لأن العملة الرديئة تطرد العملة الجيدة حتى على المستوى الوطني ، فكيف عندما يتحالف الفساد مع المال مع السلطة .
يا صديقي القديم … أيها القديس العظيم ،،، هذا ليس ذنب الأجيال و لا الرجال الرجال فهؤلاء لا ينقصهم الصدق ولا الإرادة أو القدرة على العطاء و التضحية ، بل إن فاشية المناصب و سلطان المكاسب تسبب في تقويض أركان الفكرة المقدسة و دفعها نحو الإنحراف و تبديل الأولويات ، في زمانك كانت فتح هي التنظيم القائد أما اليوم فهي تنظيم القائد أي قائد ، و القائد في زمن الردة فقط من يملك المال و السلطان ، ليس كما كنت أنت ومن معك تشقون دروب التنافس النضالي الوعرة و ترسمون من أشعة الشمس أفقا و تقدمون النموذج الحي و القدوة الحسنة ، قادة اليوم إحترفوا التنافس المالي وهم يمتلكون الملايين و العقارات و الشركات بعد أن كانوا كما خلقتني يارب ، و أنت جئت ثريا بالأخلاق قبل المال و رحلت فقيرا مدينا بعد أن دفعت في رأسمال الثورة مالك و حياتك و لكن يكفيك أنك أصبحت مثلا و نموذجا في الخلق و السيرة الحسنة و النضال و الوفاء لا يختلف عليه إثنان ، أما هم فهم إلى زوال حتما يجللهم العار ولن يذكرهم أحد بخير .
أيها الشهيد الحي فينا ، في ذكراك العطرة نم قرير العين ، لن تخذلك الأجيال الصاعدة و سيبقى على مر الزمن من يحمي الإرث النضالي العظيم الذي تركت من خلفك و ستبقى ذكراك في القلب و الوجدان ، تبعث فينا روح الإستمرارية و الديمومة الظافرة على خطى الأولين من الرواد و الطلائعيين حتى الحرية و الإستقلال … رحم الله كل الشهداء الأكرم منا جميعا … لن تسقط الراية .
شاهد أيضاً
استشهاد الصحفي حسن أبو قفة في قصف إسرائيلي على النصيرات وسط قطاع غزة
شفا – استشهد، مساء اليوم الجمعة، الصحفي الفلسطيني حسن أبو قفة ونجله عماد بعد غارة …