شفا – توفيق أبو خوصة يكتب … عودة للجذور
لا بد من عودة قوية و ممنهجة للجذور الأصيلة للثورة وحركة التحرر الوطني الفلسطينية عبر إعلاء المفاهيم الحضارية و النضالية لشعبنا لمواجهة التحدي الأخطر في مسيرته نحو التحرر و الإستقلال، بعد أن ذهب مشروع التسوية السلمية الى غير رجعة، وهذا الأمر بحاجة ألى خلق تحولات مفصلية جوهرية في مقدمتها إعادة صياغة الوعي الوطني و ضرورة بناء إستراتيجية عملية لإستعادة روح الثقافة الوطنية المقاتلة ،مما يقتضي التعامل مع الكيان الإسرائيلي كعدو و ليس شريكا في عملية سلام ، والتأكيد على أن الصراع مفتوح مع الحركة الصهيونية على هوية الأرض و المقدسات ووجود الإنسان ،وهذا الصراع ذات منطلقات ومرتكزات سياسية وقومية في بعدها الوطني الفلسطيني الشامل لمواجهة عدو عقائدي لا يخفي أهدافه ذات المضمون الديني اليهودي المدعوم من المسيحية الصهيونية و الإمبريالية العالمية ، شئنا أم أبينا فإن الصراع عاد إلى أصوله الأولى ، فهو صراع وجود لا حدود ، وهذا ما يجب الإستناد إليه في إعادة صياغة الوعي الوطني من جديد بعد سنوات عجاف من جولات التفاوض و نظريات التعايش و السلام الوهمي .
إن وسائل الإعلام على إختلافها ووسائط التواصل الجماهيري بكل أشكالها تمثل البوابة الأوسع لإعادة بناء الثقافة الوطنية المقاتلة ، ولكن هذا يتطلب بالتوازي إحداث تغيير إستراتيجي في الخطاب السياسي الوطني الجامع للفصائل و القوى الفلسطينية وكل المكونات الشعبية و المنظمات الأهلية و مؤسسات المجتمع المدني لتصب في ذات البوتقة ، إلى جانب بث روح الصمود و إستحضار إرادة التحدي الشعبية و كل أشكالها النضالية في مواجهة هذا الكم الهائل من المعاناة و خطورة المرحلة بكل تشعباتها التي تهدد بشطب و إنهاء المشروع الوطني الفلسطيني برمته .
إن سياسة كي الوعي الفلسطيني التي أتبعت على غير صعيد و إفراغ النضال الوطني من مضامينه الحقيقية و المحاولات المستميتة لإعادة صياغة الوعي الوطني ضمن قوالب جاهزة خدمت و ما زالت تخدم أجندة سياسية في مجملها معادية لطموحات الشعب الفلسطيني تحتاج بصدق إلى وقفة واعية و جادة تعيد الأمور إلى نصابها الصحيح خاصة في أوساط الأجيال الشابة التي ترعرت على وهم السلام و التسوية مع العدو الإسرائيلي ، و التخلي عن مقومات الفعل الثوري الفاعل و الداعم للحقوق الوطنية في ظل التوجهات السياسية العامة التي أثبتت فشلها و عبثيتها و وصلت إلى طريق مسدود ، و بالرغم من ذلك يتمسك بها أصحابها دون أي تغيير أو تبديل و في ذات الوقت يقرون صراحة بأنها فاشلة و لم تحقق شيئا من الأهداف و الحقوق الوطنية المشروعة .
إن فشل مشروع التسوية و السلام المزعوم الذي يعطي للعدو الإسرائيلي كل شيء و يحرم الفلسطيني من كل شيء و يصادر حقه في الوجود و الأرض وحق العودة و حق تقرير المصير و الحرية و الإستقلال ، يجب أن يعيد الصراع بكل مفاهيمه إلى المربع الأول و ليس التسليم بما آلت إليه نتائج الأمر الواقع و الرضى بالفتات من المعروض الذي يعني شطب و تصفية المشروع الوطني إلى غير رجعة ، و هنا لابد من التأكيد على أن كل الخيارات الكفاحية مفتوحة لإستعادة الحقوق الوطنية ، و نقطة البدء تكمن في تحصين الوعي الفلسطيني بكل الأبعاد الثقافية والنضالية و الحضارية .