ديمقراطية ترسيخ الاحتلال!، بقلم: فؤاد ابو حجلة
يبدو مضحكاً خلاف سلطتي التنسيق الأمني في رام الله والتهدئة الأمنية في غزة حول الانتخابات البلدية المزمع إجراؤها في الثالث عشر من مايو (أيار) المقبل في الضفة الغربية فقط، ومن دون غزة التي رفضت سلطتها المشاركة خشية خسارة حماس لرئاسة بلديات القطاع، وليس اعتراضاً على “ديمقراطية ترسيخ الاحتلال”.
كذلك تبدو مستفزة هرولة بقايا اليسار الفلسطيني للمشاركة في هذه الانتخابات تحت شعار “حق الناس في اختيار ممثليهم”، بحسب تعبير الرفيقة خالدة جرار عضو المجلس التشريعي الفلسطيني عن الجبهة الشعبية، وهو المجلس البائس الذي جاءت به انتخابات برلمانية “ديمقراطية جداً” أسفرت عن هيمنة حركة حماس على معظم مقاعد المجلس، ومن ثم أسست للانقلاب الحمساوي في غزة، ورسخت الانقسام بين الضفة والقطاع.
وإذا كان إصرار سلطة رام الله على إجراء الانتخابات المحلية مفهوماً ومبرراً برغبة رئيس السلطة محمود عباس المضي في برنامجه لترسيخ الأمر الواقع والحفاظ على الجمود القائم والتمهيد لإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية تعيد إنتاج التشكيل القيادي الجاثم على صدور الفلسطينيين في شطري الدولة الموعودة، وإذا كان موقف سلطة غزة برفض المشاركة مفهوماً ومبرراً برغبة حركة حماس في حماية مشروع الإمارة الغزية والاستعداد لإلحاق الضفة بهذا المشروع بدعم رعاة الإسلام السياسي في المنطقة، وإذا كان التواطؤ واضحاً، رغم الخلاف، بين قيادتين ترفضان الاشتباك مع العدو وتفتعلان الاشتباك بينهما، فإن ما يحير فعلاً هو موقف الجبهة الشعبية وفصائل ما كان يسمى يساراً في الساحة الفلسطينية.
لكن، يبدو أن “الشعبية” والفصائل الأصغر منها في يسار منظمة التحرير أعادت ترتيب أولوياتها، وانتقلت من برنامج المنظمة إلى برنامج السلطة بكل ما في ذلك من تصغير للرؤى وللأهداف، وذلك منطقي ومتوقع من فصائل عارضت اتفاق أوسلو علنياً وانخرطت في مشروع أوسلو واقعياً، فانتقلت من الموقف المعارض للتسوية مع العدو والنضال لتحرير الأرض إلى النضال لتحسين شروط العيش تحت هذا الاحتلال.
ولذلك فإن الجبهة التي لم تتحرك في غزة ضد التهدئة الأمنية مع الاحتلال ولم تتحرك ضد القمع الأمني الذي تمارسه الأجهزة الأمنية التابعة لحماس ضد النشطاء المختلفين مع الحركة، تحركت بقوة للمطالبة بحل مشكلة الكهرباء في القطاع! وكذلك فإن اليسار الذي لم يتحرك على الأرض ضد سياسات التنسيق الأمني بين سلطة رام الله وإدارة الاحتلال، تحرك بنشاط للدفاع عن “حق الناس في اختيار ممثليهم” في انتخابات محلية معنية بانتاج قيادات خدمية تحل مشكلات رصف الطرق وتجميل المدن والبلدات بما يجمل وجه الواقع القبيح تحت حراب الاحتلال.
في مراحل سابقة عندما كان اليسار الفلسطيني عقائدياً، كان صوت “الشعبية” مختلفاً ومميزاً، وكان صوت الحكيم الراحل جورج حبش واضحاً في رفض التسويات المشبوهة بدءاً من مؤتمر جنيف 1974 ومروراً بالنقاط العشر وانتهاء بالمبادرة العربية في قمة فاس. لكن الحال تغير بعد أوسلو، فقد صار بعض فلسطين، في نظر اليسار، دولة ينبغي النضال لتحقيق رفاهية شعبها، تماما كما يفعل اليسار في السويد، أما الاحتلال فلم يعد إنهاؤه مطروحا على الأقل في التعاطي اليومي وفي المواقف “الجذرية” لليسار.
محزن هو موقف هذا اليسار، ومحزن أكثر أن يجيء التعبير عنه بلسان مناضلة كانت في الأمس القريب أسيرة في سجون الاحتلال. لكن ما يتجاوز الحزن إلى الفجيعة هو إصرار اليسار الفلسطيني على الالتزام بيمين الطريق السياسي حتى نهايته السوداء.