ربَّما تَقَع “معجزة”، فيعود عرفات، مرَّة ثانية وأخيرة، إلى قيادة الشعب الفلسطيني، الآن، أيْ في مناخ “الربيع (الشعبي الثوري) العربي”؛ فـ “الحقيقة” التي رَقَدَت 8 سنوات في رفات الزعيم القومي للشعب الفلسطيني حان لها أنْ تَسْتَيْقِظ وتَسْتَفيق، وأنْ تتحوَّل، في وعي الفلسطينيين وشعورهم، إلى “حَقٍّ جديدٍ”، يصارعون ويقاتلون من أجل نيله سريعاً؛ فنرى “انتفاضة شعبية فلسطينية ثالثة” تَنْتَصِر لكلمة من حَرْفَيْن، هي “لا” المُدَوِّية، أرْعَد بها عرفات، وأبْرَق، في منتجع “كامب ديفيد”، رافِضاً الإذعان والاستخذاء لمشيئتيِّ باراك وكلينتون؛ فما كان من شارون إلاَّ أنْ اغتاله (وهو محاصَر في مقرِّه في رام الله) بـ “البولونيوم (المُشِع والسَّام)”، فاستحقَّ شارون أنْ يَدْخُل التاريخ ليس باسمه؛ وإنَّما بصفته “قاتِل عرفات”!
عرفات لم يَمُتْ؛ بل “قُتِل”؛ فجاء بدليلٍ جديدٍ وقويٍّ على أنَّ الفلسطيني هو أوَّل مَنْ يُقْتَل، وآخر مَنْ يموت.
ومع إجابة سؤال “ما (لغير العاقِل) الذي قَتَل عرفات؟”، والتي فيها ثَبْتَ وتأكَّد بالدليل القاطع أنَّ “مادة البولونيوم (أو الشَّارونيوم)” هي التي قَتَلَتْه، بُرِّئَت ساحة “المُتَّهَم (بغير وجه حَق)”، ألا وهو “المرض (كالسرطان وغيره)”. حتى “المرض الغامِض (الذي أُريد له أنْ يغدو موتاً مُعْلناً وجليَّاً للفلسطينيين وقضيتهم القومية)”، أو “مرض عرفات”، ثَبُت الآن، وتأكَّد، أنَّه حيلة وخديعة وكذبة، وكأنَّ للقاتِل أعواناً من “الأطباء” في مستشفى “بيرسي (العسكري)” في باريس؛ فهذا المستشفى “سَمَّم سياسياً الحقيقة” إذ قال، في تحاليله “الطِّبِّية”، إنَّه لم يَعْثُر على آثار سموم واضحة في جسم عرفات؛ و”سَمَّمها أكثر” إذ أتلف، أو زَعَم أنَّه أتلف، عيِّنات من دم وبول عرفات.
و”أداة الجريمة”، أيْ “مادة البولونيوم (المُصَنَّع)”، تكمن أهميتها الجنائية في كونها تُضيِّق كثيراً دائرة البحث الجنائي؛ فهذا المادة لا تملكها إلاَّ الولايات المتحدة وروسيا وإسرائيل.
أمَّا سؤال “لماذا قُتِل؟”، فإجابته واضحة جليَّة، وهي قوله “لا” في منتجع “كامب ديفيد”، والتي فيها أثبت لهما (أيْ لباراك وكلينتون) وللعالم أجمع أنَّه ليس من صِنْف أولئك الذين يَقِفون (في اللحظات الحاسمة) متردِّدين حائرين بين خنوع “نَعَم” وتمرُّد “لا”.
وإنَّها لبديهية ومُسلَّمة أنْ “يُكْتَشَف” أنَّ شارون (أو “إسرائيل الشَّارونية”) هو قاتِل عرفات؛ فالشعب الفلسطيني إنَّما يحتاج الآن إلى “لزوم ما يَلْزِم”، وليس إلى “لزوم ما لا يَلْزَم”؛ وهذا إنَّما يعني أنَّه يحتاج، في المقام الأوَّل، إلى كَشْف ومعرفة مَنْ من غير الأعداء (أو مَنْ مِنَ الأشقَّاء والأصدقاء) ساعد القاتِل شارون، وسعى في إخفاء وطَمس الأدلة على أنَّ موت عرفات كان جريمة قَتْلٍ واغتيالٍ ارتكبها مُجْرِمون كُثْر، في مقدَّمهم شارون، في حقِّ فلسطين، زعيماً وشعباً وقضية قومية.
لقد قَتَلَ شارون عرفات قتلاً لا ريب فيه؛ ألمْ يقلْ هذا المجرم القاتل، الذي يمثِّل خير تمثيل أورشليم قاتلة الأنبياء، إنَّ الرب يحتاج إلى مساعدته في أخذ روح عرفات؟!
وينبغي للفلسطينيين أنْ ينتقموا، ولهم الحق في أنْ ينتقموا؛ لكن في طريقة واحدة فحسب هي أنْ يمنعوا “القتل” مِنَ التحوُّل إلى “موت”، فـ “قتل” عرفات، لا يعني، ويجب ألا يعني “موته”؛ وأنْ يثبتوا، قولاً وفعلاً، أنَّ حبهم لزعيمهم التاريخي لا يعدل، على كبره، غير قطرة في بحر حبهم لقضيتهم القومية، فالأهداف العزيزة على قلب القاتل، والكامنة في أساس جريمته، هي التي ينبغي للفلسطينيين اغتيالها هدفاً هدفاً!