ديموقراطية الانتقام بقلم : بدرية البشر
انتشرت نكتة بعد ساعة من فوز الرئيس المصري محمد مرسي تقول: “آهوه، بقى له ساعة رئيس، عمل لنا إيه مرسى؟!”. بهذه الوتيرة المتشنجة ستتم محاسبة كل من يستلم رئاسة مصر، فهذه النكتة لا تتربص فقط بممثل الإخوان، بل بكل فائز يجيء بعد ثورة أطلقت من القاع ملائكتها و شياطينها، فأصبح «من لا يشتري يتفرج»، بحسب المثل المصري.
حين خرج محمد مرسي كي يتحدث أمام تلفزيونات العالم، سجلت جميع المايكرفونات صوته وهو يقول: «يا محمد كلم البيت قل لهم إني حطلع في التلفزيون» – المقطع موجود على «يوتيوب»-. ببهجة الظهور في التلفزيون، وبكاريزما مفقودة بحسب وصف وكالات الأنباء العالمية، سينتظر الشعب من أول ساعة رئيسه الجديد، كي يقْلب واقع مصر البائس إلى واقع بهيج، والحقيقة لو أن سوبرمان نفسه هو من سيحكم مصر، فلن يغير من أمر مصر قبل مرور عشر سنوات شيئاً. والرئيس المبتهج بظهوره في التلفزيون، والذي يحرص على أن يشاهده الأهل، لا يضع فى اعتباره الملفات الثقيلة التي قد تطيح به عاجلاً، فالشعب المصري البالغ عدده 90 مليون نسمة يعادل ثلاث أو أربع دول عربية كبرى، وبمداخيل محدودة، ويعيش على المساعدات الخارجية من دول «الكفار» التي تمثلت في شعارات حربهم وتفوقهم كحزب للمسلمين. لكن هذا كان قبل الرئاسة. البعض يصر على تصوير مرسي بأنه رئيس الثورة، وأحد المحللين في قناة «الجزيرة» أخذ يخلع عليه من التفسيرات الغيبية بتحليل أرقام فوزه، كالقول بأنه فاز بنسبة 51 في المئة، وهي عمره، والـ73 هي سنة النصر في مصر، و لم يبق إلا أن يخلع على الرئيس نسباً قرشياً صالحاً ليكون خليفة المسلمين كما فعل الذين من قبله.
عدد الذين اتجهوا لصناديق الانتخابات يعادل نصف الناخبين تقريباً، نصف أعطى صوته لأحمد شفيق، والنصف الثاني أعطاه لمرسي، وليس كل من أعطى صوته لمرسي أعطاه لأنه مؤمن بدولة يحكمها حزب ديني، بل لأنه كالمستجير بالرمضاء من نار سليل النظام السابق، والذي قامت الثورة لإسقاطه، وهكذا جاء الفوز على طريقة «ليس حباً بعمرو بل كرهاً في زيد». ديموقراطية الانتقام التي وجد الشعب المصري نفسه فيها، هي نفسها الديموقراطية التي لجأ إليها الإسلاميون بحزبيهم السلفيين والإخوان، فبعد أن كانوا يلعنونها عادوا و قبلوها، لا إيماناً بأنها الطريق الممكن لحكم الدولة الحديثة، بل السبيل الوحيد للانتقام وسلب السلطة.
إذاً مرسي ليس مرشح الثورة، وليس رئيس الأغلبية المريحة، وليس الرئيس الكارزمي الذي تخطف خطاباته العقول وتشحن النفوس، بل هو رئيس أقل من عادي، حلمه أن يظهر في التلفزيون ويشاهده الأهل، أرادت الأقدار أن تجعله آية للطغاة الذين يدخلون السجن، ويحكم السجناء. سيخرج من شقة بالإيجار إلى القصر الجمهوري، لكن الشعب لا يعنيه كل هذا، فهم ينتظرونه منذ أول ساعة مرت كي يغير واقع مصر. عصام شرف رئيس أول حكومة بعد الثورة جاءت به الجماهير من باب ميدان التحرير، ومنحته بركتها، ثم سرعان ما طردته من الباب الثاني ملعوناً مدحوراً، هذا هو بالضبط مصير كل رئيس يأتي بعد الموجة الأولى من الثورة، ولهذا هرب محمد البرادعي الذكي، لا زهداً في الرئاسة؛ لكنه يعرف أن الثورة تحتاج وقتاً طويلاً لتنتقل إلى الدولة.. لينظر كلٌ في ساعته الآن، وليحسب كم مر على رئيس مصر ولم يفعل شيئاً؟