تطرح العديد من الأوساط السياسية العربية والدولية، خاصة الحريصة بانتهازية وازدواجية مقيتة على بقاء النظام الديكتاتوري المستبد لوحوش سوريا، تخوفات عالية عن احتمالات بالنسبة لها مؤكدة أنّ سوريا الشعب والوطن سوف تشهد صراعا أو حربا طائفية بعد سقوط هذا النظام المتوحش على الشعب السوري منذ ما يزيد على 42 عاما. وكانت آخر هذه التحذيرات من حليف الوحش دولة الصين العظمى التي ترأس الآن مجلس الأمن الدولي، حيث حذّر رئيس المجلس لي باو دونج ( من خطورة الوضع في سورية )، و بعد جلسة لمجلس الأمن الدولي قدّم فيها رئيس بعثة المراقبين الدوليين روبرت مود رؤيته لمستقبل عمل البعثة في سورية، قال المندوب الصيني “الآن ثمة خطر من زيادة الصراع الطائفي، وكذلك خطر انتشار الصراع لأنحاء أخرى من المنطقة”.
المجتمع السوري بكل مكوناته وريث تاريخ حضاري عريق، مرّت به وعبرت أرضه العديد من الحضارات والشعوب، الكنعانيون، الأموريين، الفينيقيون، الآراميون، الأشوريون وغيرهم، تاركين وراءهم حضارة وشعبا ظلّ متآلفا بكل منابته وأصوله وطوائفه عبر كافة مراحل التاريخ، ولماذا نستغرب ذلك وتاريخ هذا الشعب عرف واخترع أول أبجدية في التاريخ (الأوغارتية) نسبة إلى مملكة أوغاريت ( 7500 سنة قبل الميلاد ) التي نشأت ونمت في شمال سوريا الحالية، محافظة اللاذقية الآن تحديدا. فهل هذه الاحتمالات الطائفية المرعبة والمرفوضة واردة ضمن خلفية هذه التركيبة البشرية لنسيج المجتمع السوري الحضاري دوما؟.
احتمالات الصراع الطائفي غير واردة..لماذا؟
أولا ضمن هذا السياق من المهم ملاحظة أنّ أدوات نظام الوحش هي التي تقوم منذ بداية ثورة الشعب السوري ضده في منتصف مارس 2011 انطلاقا من مدينة درعا، بمحاولات مستمرة للعبث بتركيبة نسيج المجتمع السوري، من خلال تخويف العلويين والدروز والمسيحيين تحديدا بالويل والثبور الذي ينتظرهم إن سقط نظامه. وضمن عبثه هذا يقوم بحركات أقرب للمسخرة المضحكة مثل التي أشرت لها في مقالة سابقة، وهي سماحة للمواطن اللبناني وئام وهاب الذي ينتي للطائفة الدرزية في السابع من أبريل 2012 بافتتاح مكتب في مدينة السويداء السورية لحزبه المسمّى ( حزب التوحيد العربي ) نسبة للتسمية الشائعة عن الطائفة الدرزية ( الموحدون )، هذا في الوقت الذي يمنع فيه نظام الوحش تأسيس أحزاب سورية، وعشرات من الشخصيات الدرزية السورية المعروفة ذاقت ويلات سجون الوحش الحالي وأبيه، ومنهم ما هو ممنوع منذ سنوات من العودة لموطنه ومسقط رأسه سوريا، وهذا ما يؤكده إبن السويداء الكاتب والناقد المعروف ماهر شرف الدين بقوله ردا على جريدة الأخبار اللبنانية ذات النكهة الطائفية المقيتة: (وبالطبع لو كان لدى “الأخبار” القليل من الحياء لخجلتْ من أهالي أكثر من 300 معتقل اليوم في السويداء أسماؤهم منشورة على الكثير من المواقع. أو لخجلت من مدينة شهبا – التي خرجت عن بكرة أبيها ضد النظام – وهي تقوم بتخفيض عدد سكانها إلى 23 ألفاً (!!) لتقول بأنها قرية صغيرة. ناهيك عن القريّا والثعلة وقنوات وعشرين بلدة أخرى ). وهذا الحزب يكاد يكون مجهولا في بلده لبنان، ولم يلاق أي ترحيب افتتاح مكتبه في السويداء من الطائفة الدرزية الوطنية الثورية دوما، ويكفي أنّ أبناء هذه الطائفة الوطنيين دوما أسسوا صفحة على الفيس بوك تحت اسم ( معا لطرد المخبر وئام وهاب من السويداء ). وأفضل رد على مسرحية بشار وئاب هو مقالة الزميل ابن السويداء ( ماهر شرف الدين ، رئيس تحرير المجلة الأدبية النقدية ( الغاوون ) ،الذي قال واصفا هذه المسرحية السخيفة: (ما حدث في العاشر من هذا الشهر في “صالة 7 نيسان” بالسويداء، لهوَ لطخة عار في تاريخ جبل كان طوال الوقت اسماً على مسمّى، حيث كان في مقدّم الثورات جميعها منذ الانتصار الكبير على حملة إبراهيم باشا المصري مروراً بعشرات المعارك مع الاحتلال العثماني وصولاً إلى الثورة السورية الكبرى… بل وحتى في التاريخ القريب جداً فقد فجَّر أهل الجبل أول انتفاضة شعبية في وجه بشار الأسد بعد أيام من وصوله إلى الحكم سنة 2000 حيث سقطت مدينة السويداء بكامل ساحاتها وأحيائها ولم تفلح دبابات النظام في دخولها إلا على جثة 41 شهيدا ). ولأهمية المقال أنصح بقراءته حتى لمن سبق أن قرأه في إيلاف بتاريخ الرابع عشر من أبريل 2012 .
http://www.elaph.com/Web/opinion/2012/3/722869.html?entry=articlemostsent
دروز سوريا ثوريون دوما..وطنيون أبدا
فمن ينسى من السوريين والعرب أنّ أكبر ثورة ضد الانتداب الفرنسي التي عرفت ب ” الثورة العربية الكبرى ” قادها وأشعلها المواطن السوري القائد الدرزي سلمان باشا الأطرش عام 1925 ، وكان قبل ذلك في عام 1921 قد رفض بوطنية صارمة تجزئة سوريا وإقامة دويلة درزية. وعلى هذا النهج سار أحفاده، ويكفي التذكير بأنّ ابنته منتهى الأطرش الناطقة بلسان المنظمة السورية لحقوق الإنسان “سواسية”، كشفت سرا خطيرا عن وئام وهاب، عندما أعلنت في السادس من يناير 2012 ( أنّ جزءاً من الدروز ولا سيما الفقراء منهم يتمّ إغراؤهم بالمال من أجل الانخراط في فرق الشبيحة التي تقتل الثوار، متهمة رئيس تيار التوحيد اللبناني وئام وهاب بتوزيع السلاح على الناس ويدفع المال لهم، وداعية رئيس جبهة النضال الوطني وليد جنبلاط الى وضع حد لتصرفات هذا الشخص السيء ). هذا وقد ردّ عليها وئام وهاب بشتائم متدنية، مما أثار أحرار ووطنيو الطائفة الدرزية في سوريا، فاصدرت “تنسيقية محافظة السويداء” بيانا باسم ” أحرار جبل العرب”، ردّوا فيه على من وصفوه ب ” العميل الأسدي اللبناني وئام وهاب”. وجاء في البيان: «نحن ثوار جبل العرب الأشم وأحفاد سلطان باشا الأطرش نوجه تحذيراً أخيراً للعميل الاستخباراتي (وئام وهاب) بعد تجاوزه كل الحدود بالتطاول اللاذع الذي ذكره في مقابلته مع اذاعة النظام الأسدي الخائن على الأحرار من جبل العرب لاسيما السيدة منتهى سلطان الأطرش. ونقول للقيمين في لبنان على السياسة بداية من السيد (ميشيل سليمان) الى مشايخ الطائفة الموحدة الكريمة ونخص السيد (وليد جنبلاط) إنه: عليكم أن تغلقوا فم هذا العميل المسعور وتوقفوا بث سمومه الطائفية الحقيرة وكذبه المقصود في نيل هيبة ووحدة الصف السوري الثائر من أجل الحرية”. وأضاف البيان: «إن أهالي جبل العرب الاحرار والشرفاء يتبرؤون من المدعو (وئام وهاب) ومن تصريحاته وكلامه وافعاله ونعده قريباً باننا سنحاسبه على هذا الكلام وعلى محاولته شق اللحمة الوطنية بيينا وبين اخواننا في كل من درعا وسورية ونعلنه مهدور الدم بيننا بعد هذه المواقف التي طالتنا بسوريتنا ووحدتنا وحريتنا…. منذ الآن وعلى الفم الملآن نقول له ان تراب السويداء أطهر من أن تدوسه أو تشم عبقه لأنه مفعم بالحرية والشرف”.
وكذلك بقية الطوائف السورية الشريفة ..هل يمثلها نظام الوحش؟
إنّ نسيج المجتمع السوري المتآلف عبر التاريخ بكافة طوائفه وقومياته الدرزية والعلوية والمسيحية والسنّية والكردية، يعرف لدرجة اليقين المطلق أنّ هذا النظام المتوحش السارق لسوريا شعبا وثروة لا يمثل أية طائفة أو قومية بما فيها الطائفة العلوية التي لا تقل تهميشا ومصادرة للحقوق الأساسية عن أية طائفة أو قومية أخرى، رغم انتماء عائلة الوحش وأخواله لهذه الطائفة. فمن عاش في سوريا وما يزال على اتصال بأصدقائه في داخلها من كافة الطوائف والقوميات يتأكد أنّه لم تستثن أية طائفة من المصادرة والقمع والسجون والمطاردة. وبدون ذكر أسماء فهناك عشرات من أبناء الطائفة العلوية الكريمة من الأكاديميين المعروفين، لا يجدون وظيفة يقتاتون منها، فهل انتبه لهم نظام الوحش كونهم علويين؟.
وبالتالي فإن الخوف من الصراع الطائفي،
هو مجرد فزّاعة يثيرها نظام الوحش وحلفائه الإيرانيين والصينيين والروس وبعض الطائفيين اللبنانيين، كي يخوفوا كافة الطوائف السورية التي تعرف كلها أنّ الصراع الطائفي لن تنجو منه حتى الطائفة السنّية ذات الأغلبية بين سكان سوريا. لذلك فأنا متأكد أن أي نظام يأتي عقب سقوط ورحيل وعقاب هذا الوحش وعصاباته لن يكون إلا نظام الشعب السوري كله بكافة طوائفه وقومياته. وهذا هو تاريخ شعب سوريا الحضاري عبر كافة العصور، وسيعرف كل السوريين طعم الحرية والكرامة التي صادرها الوحش منهم جميعا، فلن يفكر واحد منهم في إعادة مصادرتها من أحد من أشقائه وشركائه في هذا الوطن العظيم.
www.drabumatar.com