قبل التعليق على ما جاء في مؤتمر لافروف وزير خارجية روسيا أستميح القراء عذراً بسردي لهذه الحكاية التي روتها كتب السير عن الإمام “أبو حنيفة النعمان” لتكون مدخلاً للتعليق على ما قاله السيد لافروف في مؤتمره الصحفي:
“يُحكى أن الإمام “أبو حنيفة النعمان”، رحمه الله، كان يجلس في المسجد بين تلامذته في بغداد، يحدثهم عن أوقات الصّلاة، فدخل المسجد شيخ كبير السن، ويرتدي على رأسه عمامة كبيرة، فجلس بين التلاميذ. وكان الإمام يمدّ قدميه، لتخفيف آلام كان يشعر بها، ولم يكن هناك من حرج بين تلامذته حين يمد قدميه، فقد كان قد استأذن تلامذته من قبل. بمدّ قدميه أمامهم لتخفيف الألم عنهما.
لكن حين جلس الشيخ الكبير، شعرَ الإمام بأنه يتوجّب عليه، واحتراما لهذا الشيخ، أن يطوي قدميه ولا يمدّهما، وكان قد وَصَلَ في درسه إلى وقت صلاة الصبح، فقال الإمام: وينتهي يا أبنائي وقت صلاة الصبح، حين طلوع الشمس، فإذا صلّى أحدكم الصبح بعد طلوع الشمس، فإن هذه الصلاة هي قضاء، وليست لوقته.
وكان التلامذة يكتبون ما يقوله الإمام والشيخ الكبير (الضيف) ينظر إليهم. ثم تداخل الشيخ الكبير وسأل الإمام أبو حنيفة هذا السؤال: يا إمام، وإذا لم تطلع الشمس، فما حكم الصلاة؟. فضحك الحضور جميعهم من هذا السؤال، إلا الضيف والإمام الذي قال بعد السؤال: آن لأبي حنيفة أن يمدّ قدميه”.
وأنا هنا مرة ثانية أستميح القراء عذراً عن اضطراري للتعامل مع هذا الوزير بمثل ما يستحق بعد أن نزع هيبة روسيا العظمى عنها بسخافة ما قال وكذب ما ادعى، حتى ليظن من يستمع إليه أنه أحد شبيحة النظام المأجورين وقد يكون كذلك.. من يدري!!
وأنا هنا لا أريد التعليق على كل ما جاء في المؤتمر الصحفي لهذا الوزير، فقط أريد التعليق على بعض ما قاله:
قال: إن بلاده لن توافق على وضع خطة لاستبدال النظام السوري، لكنها لن تعارض رحيل الرئيس السوري بشار الأسد إذا أراد السوريون ذلك.
كيف يمكن التوافق بين نقيضين.. فهو من جهة لا يوافق على استبدال النظام ومن جهة أخرى لا يعارض في رحيل الأسد إذا أراد الشعب السوري ذلك، أولم يسمع هذا الأصم نداءات الشعب السوري من أقصى البلاد إلى أقصاها تصدح حناجرهم يومياً لأكثر من عام ونصف: الشعب يريد إسقاط النظام، وقد دفع هذا الشعب بفلذات أكباده إلى الشوارع وكل منهم مشروع شهيد يحمل كفنه على راحته.. دفع هذا الشعب أكثر من 15 عشر ألف شهيد وأضعافهم من المفقودين والجرحى والمعتقلين والنازحين والمهجرين، ثمناً للانعتاق من السرطان الأسدي الذي جثم على صدورهم أكثر من أربعين سنة، وهو من ذاق مرارة الحكم الاستبدادي في ظل الحكم الشيوعي السوفييتي!!
وجدد لافروف تمسك روسيا بخطة المبعوث العربي الدولي المشترك إلى سورية كوفي أنان كحل وحيد للأزمة السورية، وأنان نفسه وبان كيمون والمراقبين الدوليين والعالم كله يعتبر أن هذه الخطة ولدت ميتة لأن النظام السوري لم يطبق بنداً واحداً منها بعد أكثر من ثلاثة أشهر من انطلاقتها، وعلى العكس من ذلك اتهم المراقبون النظام السوري بأنه يعرقل مهمتهم في كثير من الحالات ولا يسمح لهم بالتحرك ليلاً، وقد أعلنوا أن النظام منعهم من الوصول إلى الحولة إلا بعد ثلاثة أيام من وقوع المجزرة فيها، وقد طالب العرب والعالم بأن تنفذ خطة أنان تحت الفصل السابع وتحديد مدة زمنية لتنفيذها ولكن روسيا تمنع ذلك ملوحة بالفيتو للمرة الثالثة!!
واتهم وزير الخارجية الروسي مقاتلي المعارضة بارتكاب عمليات اغتيال وهجمات عرقية وطائفية في سورية، وتحدث عن تعرضهم لقافلة روسية، وعن قتل عشرات المسيحيين ومهاجمة الكنائس مثل دير صيدنايا والكنيسة اليعقوبية، ويؤسفني أن أقول أن هذا الوزير يتماها في كذبه وافترائه بما يدعيه النظام ويقوله شبيحته عبر وسائل الإعلام، فالجيش الحر ومقاتلي الثورة لا يستهدفون إلا القتلة من أفراد الجيش الخائن والشبيحة والمأجورين من ميليشيا النظام وحلفائهم في الضاحية الجنوبية وجبل محسن والحرس الثوري الإيراني والجيش الصدري، وإذا ما هاجموا إحدى القوافل الروسية فهذا حقهم لدفع بلاء، حيث يقوم الروس بتزويد الجيش الخائن بأحدث الأسلحة الفتاكة والمتطورة لقتل السوريين ويشرفون على تدريبهم، ولعل آخر هذه الأسلحة تلك الصواريخ التي قامت الحوامات يوم الخميس المنصرم بقصف عدة مدن سورية من بينها درعا وريف دمشق وإدلب ودير الزور وحمص وريف حلب وغيرها، سببت أعراضا كيماوية، ونشرت بعض المحطات الفضائية والمواقع الإلكترونية مقاطع فيديو على الشبكة العنكبوتية، تظهر استخدام النظام السوري لتلك الأسلحة الكيميائية.
وأشار النشطاء إلى أن هذه الأسلحة هي أسلحة روسية، أجرت السلطات الروسية تجارب عليها قبل عامين ونصف، وقد نشرت مجلة “ديسكفر” الأمريكية بتاريخ 12 كانون الأول 2009، خبراً عن تلك التجارب الروسية على هذه الأسلحة.
وقد سجل النشطاء انسحاب عصابات الأسد من بعض المناطق التي شهدت قصفاً بالأسلحة الكيميائية.
وأضاف لافروف إن “هناك عمليات تنكيل ضد مؤيدي النظام من قبل المسلحين”، وهذه كذبة كبرى، فمن غير جيش النظام وشبيحته يقصف المدن بالأسلحة الروسية الثقيلة على رؤوس الآمنين؟ ومن غير جيش النظام وشبيحته يرتكب المجازر البشعة بحق الأطفال والنساء والشيوخ، والتي كان آخرها مجزرة درعا البلد ومجزرة معرة النعمان ومجزرة الرستن، وقبلها مجزرة الحولة ومجزرة القبير، حيث زكمت أنوف المراقبين الدوليين رائحة شواء اللحم البشري!!
ودعا وزير الخارجية الروسي لعقد مؤتمر دولي لبحث تسوية الأزمة في سورية، واقترح دعوة مندوبين عن الاتحاد الأوروبي والجامعة العربية ودول إقليمية فاعلة مثل تركيا وإيران وقطر والسعودية للمشاركة في هذا المؤتمر.
تذكرني دعوة لافروف إلى مؤتمر دولي يعقد في موسكو لبحث الأزمة السورية، بالفئة الضالة التي أرادت بناء مسجد للمنافقين سماه النبي عليه الصلاة والسلام بـ(مسجد ضرار) الذي قال الله تعالى فيه: (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُون).َ
لافروف يريد من مؤتمر موسكو أن يُكسب الشرعية للأيادي التي تلطخت بدماء السوريين، فهو يصر على حضور إيران لذلك المؤتمر والإيرانيون يجاهرون بتأييدهم للنظام السوري وتزويده بكل أنواع الأسلحة الفتاكة والخبراء والمدربين إضافة إلى دفع المئات من الحرس الثوري لقتل الأطفال والنساء والشيوخ ذبحاً وبالسواطير كما نقلت العديد من الفديوهات مثل تلك الأعمال الوحشية والبربرية التي لا يقوى على القيام بها إلا أمثال هؤلاء، هذا بالنسبة لإيران أما روسيا فكيف القبول بها راعية لمؤتمر من أجل حل الأزمة السورية وهي الشريك الأول لهذا النظام في جرائمه الفظيعة من خلال تزويده بالسلاح الفتاك والمتطور ليوغل في قتل السوريين، وتقديم الحماية لهذا النظام دولياً باستعمالها للفيتو الذي تملكه للحيلولة دون إصدار أي قرار أممي بوقف نزيف الدم في سورية أو حتى التنديد بما يقترف من جرائم بحق المدنيين!!
وعن دعاوي لافروف بأن المسيحيين يهاجرون من سورية هرباً من العصابات المسلحة فهذا قول تدحضه الوقائع على الأرض فإن الذين هاجروا من حمص من المسيحيين كان بسبب القصف المدفعي والصاروخي لجيش النظام للحي الذي يقطنون فيه كباقي ما يفعل بالأحياء الأخرى، ولعل لافروف الذي لا يرى إلا بعين واحدة لم يسمع بالأب باولو داليليو الذي طردته السلطات السورية بسبب مواقفه المؤيدة للثورة، بعد أن أمضى في سورية نحو ثلاثين سنة معتكفاً في أحد الأديرة في منطقة القلمون.
أخيراً أقول للافروف: إن كنت إنساناً يحترم نفسه ويتحلى بالأخلاق الإنسانية ويقدر مصالح بلده عليك بسحب كل الخبراء والمدربين الروس من الأراضي السورية، ووقف تزويد النظام بالأسلحة بكل أشكالها، وان تدعم الموقف الدولي الذي ينادي بوقف العنف في سورية، سواء بدعم خطة أنان وجعل تنفيذها تحت البند السابع، أم باستصدار قرار جديد من مجلس الأمن يرغم النظام على القبول بمطالب الشعب السوري، ويتوقف فوراً عن جرائمه التي يرتكبها بحق المطالبين بسقوط النظام والمنادين بالحرية والديمقراطية والدولة المدنية، وهذا حق كفلته لهم شرائع السماء والأرض، وبغير ذلك فإنكم بصفتكم الممثل للدبلوماسية الروسية نحيطكم علماً بأن الشعب السوري سيعتبركم شركاء في قتله وأنه سيمارس في حققكم ما يمارسه من حق في الدفاع عن نفسه ضد من يقتل أطفاله ونساءه وشيوخه وناشطيه ورجاله، وأن أي تواجد للمصالح الروسية أو تجمع للخبراء أو المدربين أو العسكريين الروس هو هدف مشروع لنيران ثوارنا البواسل.. وعليك لافروف نقل الرسالة إلى أسيادك في الكرملين!!