تتقمص الفنانة الأمريكية ميريل ستريب شخصية رئيسة الوزراء البريطانية السابقة مارغريت تاتشر، في فيلمThe Iron Lady أي “المرأة الحديدية”، وهو اللقب الدارج الذي اشتهرت به رئيسة وزراء بريطانيا. تخرج ميريل ستريب في هذا الدور المُتقن باللهجة البريطانية؛ لتُظهر لنا الخصائص الدقيقة في شخصية تلك المرأة التي عرفنا وجهها الخارجي من خلال الممارسة السياسية، إلا أن الصورة الداخلية للأشخاص الأقوياء هي خصائص إنسانية عميقة، يصعب فهمها في بعض الأحيان، ويستعصي تلمّس تفاصيلها في أحيانٍ أخرى، لكنها بنظري فيها كثير من العمق حينما تجمع بين تناقضات القوة والضعف، الإصرار والاستسلام، وغيرها من المتناقضات البشرية التي لا تعيب الشخص إن كانت مكملة لبعضها بعضاً. ما أقوله هو حديث عام، ولا يخص مارغريت تاتشر بالتحديد؛ لذا أعود إليها لأنها بوصفها امرأة بغض النظر عن مدى التوافق أو الاختلاف مع آرائها وتوجهاتها ومواقفها السياسية، سواء الداخلية أو الخارجية، إلا أنها حالة “نسوية” فريدة، وتاريخ مهم للمرأة في القرن العشرين
فبالرغم من أنها فتاة ريفية، وابنة رجل صاحب بقالة كانت تساعده في أعمالها، إلا أنها شعرت بتميزها، وتجاوزت عنصرية المجتمع البريطاني وطبقيته، التي فيما بعد كانت تنعتها بعض الأقلام الصحفية بـ”ابنة البقال”، وشقت طريقها بنفسها من بوابة العلم دون أن تعتمد على أحد، إلا أن طموحاتها السياسية تبلورت من جامعة أكسفورد التي تخرجت منها. ولأنها تعرف حساسية المجتمع البريطاني جيداً تجاه الطبقات الفقيرة أو محدودة الدخل فقد صارحها بهذا رجل الأعمال الثري “دينيس تاتشر”، وطلب منها الزواج، ومن خلاله تشق طريقها في عالم السياسية؛ لتدخل إلى مجلس اللوردات، وحدث هذا فكانت زوجة ناجحة وأُمًّا رائعة وسياسية مبدعة، تفننت في أدوارها الحياتية فلم تتنازل عن دور مقابل أن تمارس الآخر، وهذا بحد ذاته يدفع الإنسان، وخصوصاً المرأة التي تحاول بعض المجتمعات ثنيها عن ممارسة أدوار حياتية مختلفة بحجة أنها ستفشل في الأدوار الرئيسية، وهي دور الزوجة والأم. وبنظري أن المرأة الناجحة في حياتها العملية لديها القدرة على النجاح في حياتها الخاصة، طالما كان هذا هو اختيارها الشخصي، ولم يفرض أحدٌ عليها رأيه أو وجهته
في فيلم The Iron Lady تقوم المخرجة البريطانية فيليدا لويد بعرض مشاهد من حياة مارغريت تاتشر السياسية، وتربطها بحياتها الشخصية؛ لتظهر لنا الصورة الأخرى للمرأة الحديدية التي عرفتها كما هو لقبها. بعد مشاهدتي هذا الفيلم عدت إلى التركيز في تلك الشخصية من منظور مختلف، لن أقول أنني أحببت رئيسة وزراء بريطانيا بعد مشاهدة الفيلم لأنني في الأساس أكن مشاعر الاحترام والتقدير والإعجاب بمشوارها الطويل ونضالها السياسي داخل مجتمع مليء بالعنصرية والطبقية، وإضافة لهذا نظرة ذكورية تجاه المرأة، وإن كانت هذه النظرة غير معلنة؛ لأن هناك قوانين تحاسب على هذا النوع من التمييز ضد المرأة، لكنها تقبع في داخل فئات من المجتمع البريطاني – آنذاك – وإن كانوا قلة
مارغريت تاتشر هي أول وآخر رئيسة وزراء بريطانية، وتمكنت من الحصول على هذا المنصب؛ لأنها آمنت بنفسها وبقدراتها، ولأن في حياتها رجلاً تحبه، يدعمها ويقف إلى جانبها ويساندها في كل خطوة تخطوها، ينصحها دون أن يفرض عليها آراءه، وتجده حين تحتاج إليه؛ لذا ليس قليلاً في حقه أن تظل وفية له، وأن تبقى مع ملابسه وصوره وأغراضه بعد وفاته؛ لأنه حبها الوحيد، ولأنه يستحق؛ لذا فإن فيلم The Iron Lady ليس وجبة سياسية دسمة من تاريخ بريطانيا، بل هو مشاهد إنسانية في الحب والزواج والأمومة، ونضالات امرأة