
تصادم البرامج على الساحة الفلسطينية وصولا الى نكبة الانقسام والنتائج الكارثية لما سمي بطوفان الأقصى بقلم : د. عبدالله كميل
بدون اية مقدمات فقد برز على الساحة الفلسطينية البرنامج الوطني الذي وضعته منظمة التحرير الفلسطينية كمشروع تحرري هادف الى التحرير وإقامة الدولة الفلسطينية وتحقيق الأهداف التي اقرتها المجالس الوطنية حيث برزت حركة فتح كفصيل محوري فيها قادت النضال الوطني ومعها كل فصائل العمل الوطني والمستقلين ومن ناحيه أخرى هناك برنامجا اخر تحرك وفق حقب زمنيه ووفق رؤية تناقضت تاريخيا مع رؤية القائمين على البرنامج الوطني اما هذا البرنامج النقيض تماما فهو برنامج الاخوان المسلمين والذي تحول فيما بعد الى برنامج حركة حماس التابعة لحركة الاخوان الدولية ،فقد رفضت حركة الاخوان في فلسطين وعلى مدار ثلاثين عاما الانخراط بالعمل المسلح والذي خاضته فصائل منظمة التحرير حيث اعتبرت في حينه ان الظروف لم تنضج بعد للعمل المسلح فكانت تعتمد طوال تلك الفترة على النشاطات الاجتماعية والدعوية ووقفت أحيانا ضد القوى الوطنية في الجامعات الفلسطينية كالنجاح وبير زيت والخليل وغيرها حتى وصل الامر حد الاعتداءات الدموية على الطلبة والكادر الاكاديمي.. طوال تلك الفترة ولا زالت تستخدم الدين لأغراضها الحزبية والسياسية.
أوقفت فتح الكفاح المسلح بعد الاف العمليات والمحطات الكفاحية حيث خاضت حروب ضارية كما معركة الكرامة وعمليات الاستنزاف وصمود بيروت الأسطوري وحروب الدفاع عن القرار الوطني المستقل وخاصة ضد نظام حافظ الأسد السوري .
ودخلت منظمه التحرير عمليه تفاوضيه هادفه الى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية متمسكة بحق العودة للاجئين منطلقة من قاعدة ان العمل العسكري يزرع والعمل السياسي يحصد ومن قاعدة ان البندقية الغير مسيسه قاطعة طريق .. وقد تم الإعلان فعلا وبعد فتره من المفاوضات في أوسلو عن اتفاق اعلان المبادئ لمدة خمس سنوات قابلة للتمديد سنه واحده للمفاوضات على حل نهائي ينتهي به الصراع الفلسطيني الإسرائيلي حيث كانت النتيجة إقامة اول سلطه وطنيه فلسطينية على جزء من أراضي الضفة الغربية وقطاع غزه وقد تم الافراج عن 11600 اسير فلسطيني عبر المفاوضات وضم أجزاء من الأراضي الفلسطينية للمناطق التابعة للسلطة ما أدى الى تغير مفاجئ بسلوك حركة حماس حيث بدأت بالمناكفة تحت شعار وانه لجهاد نصر او استشهاد حيث بدأت بعمليات تفجيريه مكثفه رافضة بذلك برنامج منظمة التحرير السياسي القاضي بالوصول عبر التفاوض الى تحقيق أحلام الفلسطينيين بعد ثلاثين عاما من الكفاح المسلح وبعد انتفاضة الفلسطينيين الأولى .. كان حينها اليسار الإسرائيلي قويا وبمقابل حماس كان اليمين الإسرائيلي المتطرف يرفض اتفاقية أوسلو حتى وصل الامر بأحد المتطرفين المدعو ايجال عامير لأطلاق النار على اتسحاق رابين رئيس الحكومة الإسرائيلية اثناء خطابه خطابا حول السلام في ميدان ملوك إسرائيل في تل ابيب في 4 نوفمبر 1995 ما أدى الى مقتله حيث عبر المتطرفون بهذا الاغتيال عن رفضهم لهذه الاتفاقية وهنا برز نتنياهو والذي خاض الانتخابات عام 1996 مقابل شمعون بيرس خليفة رابين .. زادت حدة عمليات حماس التفجيريه اثناء الدعايه الانتخابيه بين المعسكرين فكانت النتيجه استفادة اليمين المتطرف من هذه العمليات وقد نجح نتنياهو في هذه الانتخابات وكان اللافت للانتباه توقف العمليات بعد فوز نتنياهو لمدة سنه ونصف ما عزز قوة اليمين الاسرائيلي الرافض لعمليه السلام مع الفلسطينيين ..
كان على الفلسطينيين الاستفادة من اتفاقيه أوسلو وكان بالتحديد على حماس التي لم تستخدم العنف قبل أوسلو ان تعطي المجال لياسر عرفات ولمحمود عباس مهندس الاتفاقية للاستمرار بالعملية وفق ما نصت عليه الاتفاقية المرتبطة بخمس سنوات من الهدوء والتركيز على التفاوض لا سيما ان إسرائيل بدأت فعلا بالانسحابات من القرى والبلدات الفلسطينية وتم الاتفاق على فكفكة الكثير من المستوطنات متمسكة ببعضها الى حين الدخول بمفاوضات الحل النهائي الا ان حماس وبعناد كانت تقوم بعملياتها قبل تنفيذ اي اتفاق متعلق بالأفراج عن اسرى او الانسحاب من مناطق في الضفه الغربيه ما كان يؤدي الى وقف تنفيذ هذه الاتفاقات، ومع تراكم هذا السلوك تحت شعار المقاومه فقد ادى ذلك فعلا الى تقويض الاتفاقيات التي كانت القياده الفلسطينيه تهدف من خلالها الى تحقيق الحد الادنى من الثوابت الوطنيه في ظل اختلال ميزان القوى والاخطر من ذاك فقد استغل هذا السلوك من قبل اليمين الاسرائيلي المتطرف حتى اصبح المجتمع الاسرائيلي اكثر رفضا للحلول السياسيه ، والغريب بالامر ان حماس استطاعت عبر امبراطورية الاعلام التابعه للاخوان المسلمين ان تقنع الرأي العام العربي والفلسطيني انها الضحيه وان ما تقوم به بسبب تعنت الاحتلال علما ان المتطرفين في اسرائيل والذين يشاطرون حماس موقفها الرافض لاتفاقيات اوسلو قد استفادوا من عمليات حماس ما ادى اخيرا الى غياب القوى المؤيده للحل السياسي مع الفلسطينيين لا بل عملت حماس وبشكل مقصود على صعود اليمين الاسرائيلي ووصوله الى سدة الحكم عبر تدخلها بالانتخابات الاسرائيليه ما فسر حدة وكثافة العمليات التفجيرية اثناء الدعايه الانتخابيه بين اليمين واليسار في دولة الاحتلال حيث ارسل خالد مشعل رئيس حماس في العام 1996 رساله لقادة كتائب عز الدين القسام قبل انتخابات الكنيست والتي وقعت في يد جهاز المخابرات الفلسطيني والتي اقتبس منها التالي( لقد شاءت الاقدار ان يكون موقفنا من اتفاقيات اوسلو الخيانيه والتي وقعها ياسر عرفات هو نفس الموقف الذي يتخذه اليمين الصهيوني المتطرف في دولة الكيان الصهيوني ولكن كل منا له اهدافه ، وحتى نسقط هذه الاتفاقيه عليكم تسديد الضربات الموجعه في العمق الصهيوني قبل الانتخابات لعل ذلك يساعد في تغيير مراج الناخب الصهيوني لصالح اليمين المتطرف ما يؤدي الى وصوله الى سدة الحكم ما يؤدي حتما الى اسقاط اتفاقيات اوسلو وبذلك يتم اعفاءنا من الجهد الكبير في سبيل ذلك)
حصلت الانتفاضه الثانيه واستطاعت حماس استثمارها حيث فتحت لها الباب لاعادة تنظيم صفوفها بالرغم من التضحيات التي قدمتها فتح والاجهزه الامنيه الا انها استطاعت عبر اعلامها دوما من اظهار نفسها انها هي الجهه التي تمثل المقاومه والجهه الاخرى تمثل التنازل والاستسلام والخنوع ، وبلغة الارقام فقد استشهد بالانتفاضه الثانيه 2089 شهيد من ضباط وافراد الاجهزه الامنيه و632 شهيد من كتائب الاقصى التابعه لفتح و415 شهيد من سرايا القدس التابعه للجهاد الاسلامي و378 شهيد من كتائب القيام التابعه لحماس و114 شهيد من بقية الفصائل .. وبالرغم من ان الارقام تعطي مؤشرات واضحه حول مدى تضحيات النظام السياسي وفتح قياسا بالاخرين الا ان لغة الخطابة على المنابر وكذلك الضخ الاعلامي المبرمج كان اقوى من لغة المنطق حتى جاءت انتخابات التشريعي والتي فازت بها حماس نتاج انقسامات فتح وحالة الانانية التي اصابت عدد من كوادرها والذين خاضوا الانتخابات كمستقلين ..
ولو عدنا الى ممارسة الكفاح المسلح لوجدنا ان حماس توقفت فعليا عن عملياتها منذ عام 2003 حيث لم تسجل الا عمليه واحده وهي خطف المستوطنين الاربعه عندما تمت دعوة الرئيس ابو مازن من قبل دونالد ترامب ببداية فترة رئاسته الاولى في بداية عام 2017 حيث كان قد اتصل بالرئيس ابو مازن مؤكدا له حينها بانه مع اقامة دوله على حدود الرابع من حزيران عام 67 وذلك كصفقه لاتمام عمليه السلام في الشرق الاوسط الا ان العمليه التي حصلت في هذا التوقيت قد استغلت من قبل نتنياهو الذي حرض ترامب على الرئيس ابو مازن حيث تعكر مزاج ترامب واخذ موقفا سلبيا من القضيه الفلسطينيه ومن الرئيس ابو مازن ، وبذك تثبت حماس مرة اخرى انها لم ترد يوما اي نجاح سياسي ولو محدود لمنظمة التحرير لان نجاحها يعني فشل برنامج حماس ودوما تفضل حماس استخدام المقاومه في المكان الخطأ والزمن الخطأ معتمدة على عواطف الفلسطينييين الذين ذاقوا الويلات على يد الاحتلال الاسرائيلي ..
جاءت حماس اخيرا بالسابع من اكتوبر وفتحت حربا تحت شعار طوفان الاقصى وكانت النتيجه كارثيه على الفلسطينيين حيث تم تدمير قطاع غزه واستشهد عشرات الآلاف وكانت النتيجه صفقات تبادل اسرى لم ترتق لمستوى المجازر التي تعرض لها الفلسطينيون في قطاع غزه والابتعاد تماما عن عنوان الحرب حيث ان المفاوضات بين حماس والاسرائيليين تركزت على قطاع غزه وموضوع استمرارها بالحكم هناك ناهيكم عن استشراء الاستيطان في الضفه والقدس بشكل غير مسبوق وتسليح المستوطنين ومزيد من سلوكهم الاجرامي ضد الفلسطينيين وتعذيب الاسرى الفلسطينيين وتعرض لابشع حمله اذلال وتفكيك وامور كثير لا يتسع المجال لذكرها ..
واخيرا اصبح المجال مفتوحا لعقد المقارنه بين برنامج منظمة التحرير والذي لو لم يصادمه برنامج حماس لحقق الكثير من الاهداف الوطنيه وبرنامج حماس وبصوره فيها جرأه بدأت دائرتها تتسع للمهتمين والمحللين والتي تنتناول سلوك حماس والاهداف الحقيقيه لكل ما قامت به تحت شعارات العداء للاحتلال والذي توج اخيرا باستنساخ موقف فتح السياسي المتعلق باقامة الدوله على حدود الرابع من حزيران وكذلك القبول بمبدأ التفاوض مع الاحتلال ولكن شتان ما بين تفاوض منظمه التحرير على الدوله والسياده وحق العوده وبين تفاوض حماس على امور لا تتعدى غزه وحكم غزه وضمان امن قادة حماس ..ولابد من التركيز كثير على كيفيه استخدام حماس للاعلام الذي لا دين له والذي استطاع قلب الهرم وتضليل الناس بشكل فيه كثير من اللؤم الاحترافي حينما شيطن السلطه الوطنيه وفتح والمنظمه وابرز حماس كحركه ملائكيه ربانيه لم ولن تخطئ حتى عندما حوصرت السلطه ماليا ولا زالت في ظل مساعدة حماس بالثلاثين مليون شهريا كانت تأتي من قطر عبر مكتب نتنياهو فاستطاع اعلام حماس والمساند لها وضع ستار على اعين الناس .. وفي الخاتمة نجد ان الكثير من الناس لم ينظروا حتى للنتائج الكارثيه على القضيه الفلسطينيه ولا يعني لهم شيئا دمار قطاع غزه ولا كل هذه المجازر الناتجه عن ما حقل في السابع من اكتوبر بسبب عدم اخذ ذلك بالحسبان من قبل حماس مسبقا وبالرغم من حديث بعض قادتها عن انهم لو كانوا يعلمون بالنتائج لما قاموا بذلك فتجد للاسف محللين واشخاص حمسويين اكثر من حماس نفسها بدفاعهم عن اخطاءها ومغامراتها الغير محسوبة النتائج .