
مملكة المشمش: حيث تصدق الأحلام ولا تتحقق ، بقلم : المهندس غسان جابر
في مملكة المشمش، الأحلام لا تُصنع، بل تُذاع على الهواء مباشرة.
في كل موسم، يُطلّ علينا الزعماء، يخاطبوننا بثقة عجيبة لا يرفّ لها جفن، يعدوننا بالنهضة والانتصار والاكتفاء الذاتي، ونحن نستمع كمن ينتظر معجزة موسمية.
كما قال الشاعر عبد الوهاب زاهدة:
“رأيناهُ على التلفاز
يُخاطبُنا ولم يرمشْ
فحدَّثَنا عن الإنجازْ
وعنْ إنمائهِ المُقرِشْ
فقالَ الشعبُ: في المشمشْ”
يا سادة السياسة…
حدثتمونا عن مصالحة وطنية “على الأبواب”، فإذا بالأبواب تُغلق أكثر.
غمرتمونا بوعود التنمية الاقتصادية، فوجدنا أنفسنا نستورد حتى المشمش من الخارج.
رفعتم شعار “إنهاء الانقسام” ونحن نشهد تكاثر الانقسامات حتى بات كل حيّ حزبًا وكل شارع تيارًا.
وبكل خطاب مكرر، صرنا نردد:
“مضى يُوصي بنا الوزراءْ
فلا جوعى ولا فقراءْ
وكاد أمامنا يُجهِشْ
.. فردَّ الشعبُ: في المشمشْ”
رسائلنا إليكم أيها السادة…
إلى صانعي الوعود:
لا تبالغوا بوصف الإنجازات الخيالية، فنحن نعيش الواقع، لا الخيال التلفزيوني.
إلى دعاة المصالحة:
لا نحتاج بيانًا مشتركًا كل موسم، بل نحتاج قرارًا وطنيًا واحدًا لا ينكسر أمام حسابات المصالح.
إلى من ينادي بدولة مستقلة:
لا تبيعونا أوهامًا معلبةً بعبارات رنانة. نحن نريد استقلالًا حقيقيًا، لا استقلالًا مؤقتًا تحت الإشراف الدولي.
لقد أعطيتم الأمر والإيعاز، وأغدقتم الوعود والهبات، لكننا لم نرَ شيئًا سوى الغبار، تمامًا كما وصف عبد الوهاب زاهدة:
“وأعطى الأمر والإيعازْ
لكل مواطنٍ ساعهْ
وغليونٌ وولاعهْ
وصاح مذيعُهُ مدهشْ
ورد الشعبُ: في المشمشْ”
في مملكة المشمش…
نبني مطارات وهمية في صالات الفنادق.
نفتتح مشاريع ضخمة بحجم “كشك عصير وبسطة”.
نصدر بيانات الاستنكار أكثر مما نصدر زيت الزيتون.
نعيش على وعودٍ لا تنضج، نعلّق آمالنا على جداول زمنية لا تبدأ، نُسكت احتجاجاتنا بتصريحات لا تنتهي.
كما قال زاهدة:
“سأُصدِرُ في غدٍ أمرا
يُجيزُ الطبعَ والنشرا
ويسمحُ نقدَنا جهرا
فسأُسجِنُ كلّ من يَبطِشْ
فقال الشعبُ: في المشمشْ”
وأخيرًا…
أيها السادة، اعلموا أن الصبر الذي امتد مواسم طويلة بدأ يذبل.
لم نعد نبحث عن أحلام من ورق، ولا عن خطب تذاع ولا تتحقق.
نحن نبحث عن وطنٍ يُبنى بالعمل لا بالكلام، وعن كرامة تُستعاد بالفعل لا بالشعارات.
وإن لم تصدقوا، اسألوا مواسم المشمش التي انتظرناها طويلًا، ولم تأتِ.
ليختم عبد الوهاب زاهدة رائعته:
“أنهى القولَ في التلفازْ
وودّعنا ولم يرمشْ
وما نلنا سوى المشمشْ”
في انتظار أن ينضج المشمش…
سلامٌ على هذا الشعب الصابر.
(رحم الله الشاعر عبد الوهاب زاهدة كان يري المستقبل و لم يجد المشمش)
م. غسان جابر (القيادي في حركة المبادرة الوطنية الفلسطينية)