
الأستاذة عبير هندية ، الجندي الخفي وصاحبة الأثر البهي ، بقلم : د. تهاني رفعت بشارات
في مسيرتنا الحياتية، تمر بنا وجوه كثيرة، لكن القليل منها فقط يترك بصمة لا تُمحى، وينثر أثرًا طيبًا كعبق الورد في طرقات الذاكرة. ومن بين هؤلاء النادرين، تلمع صورة الأستاذة عبير هندية، واحدة من أنقى وأطيب الأرواح التي عرفتهم يومًا، والتي سكنت القلب بأخلاقها، ورُقيّها، وعطائها اللامحدود.
عرفت الأستاذة عبير للمرة الأولى عند مناقشتي لرسالة الماجستير، يومها كانت نجمة مضيئة في سماء التنظيم والدعم، تستقبل الجميع بابتسامة دافئة، وتتعامل بلطف نادر يجبرك أن تحترمها وتُحبها منذ اللحظة الأولى. كانت تتحرك بهدوء وأناقة بين أروقة الجامعة، تنسق وتجهز القاعات، وتعتني بأدق التفاصيل وكأنها ترسم لوحة فنية بحُب وإتقان.
ومرت الأيام، فالتقينا مجددًا في مناقشة أكاديمية أخرى، وازداد يقيني أن عبير ليست مجرد موظفة تؤدي مهامها، بل هي روح جميلة تجيد أن تترك أثرًا ناصعًا أينما حلت. في ذلك اليوم، أهديتها نسخة من كتابي الأول “لحن الأمل”، وكتبت لها على أولى صفحاته إهداءً بخط يدي. وحين قرأت كلماتي، ابتسمت ابتسامة ملؤها الطيبة وقالت لي بلطفها المعهود: “دكتورة، خطك جميل جدًا، وإن شاء الله سأقرأ الكتاب بكل محبة.” كان تعليقها بسيطًا لكنه أضاء قلبي كضوء قمرٍ صافٍ في ليلة ساكنة.
حقًا، الأستاذة عبير كانت وما تزال مثالًا للجندي الخفي، الذي يعمل بصمت وإخلاص كقطرة الندى التي ترتب الأرض فجراً دون أن يشعر بها أحد، لكنها تُنعش القلوب وتمنح الحياة رونقًا مختلفًا. كانت تتحمل العبء الثقيل لتنظيم مناقشات رسائل الماجستير بدقة وحرفية، فتجهز القاعات، وترتب المواعيد، وتُدير التفاصيل الخفية بكل حب وتفانٍ، حتى تخرج المناقشات بصورة بهيّة تليق بجهود الطلبة وأحلامهم الكبيرة.
ولم تكن هذه المسؤوليات عبئًا عليها، بل كانت تتعامل مع كل موقف بروح مشرقة وكأنها أم تحتضن أبناءها، تبث فيهم الطمأنينة، وتدعمهم بصمت جميل لا يطلب شكرًا ولا يبحث عن تصفيق. لقد علمتنا الأستاذة عبير درسًا عميقًا أن العطاء الحقيقي لا يحتاج إلى أضواء، بل يكفي أن يكون صادقًا ليبقى أثره خالدًا في الأرواح.
إنما الإنسان أثر، وأثركِ يا أستاذة عبير محفور في قلوبنا كالنقش على الحجر، لا تمحوه الأيام، بل تزيده الأيام بهاءً وامتنانًا. فجزاكِ الله عنّا خير الجزاء، وبارك لكِ في علمكِ وعملكِ وعمركِ، وجعل كل لحظة من عطائكِ نورًا يضيء دروب الآخرين.