12:19 صباحًا / 28 أبريل، 2025
آخر الاخبار

ما بعد طوفان الأقصى ، دولة واحدة أم دولتين أم لا دولة ، بقلم : سالي ابو عياش

ما بعد طوفان الأقصى ، دولة واحدة أم دولتين أم لا دولة ، بقلم : سالي ابو عياش

منذ بدأت عملية “طوفان الأقصى”، بات من الواضح أن الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي قد دخل مرحلة جديدة، أكثر حدّة ووضوحاً من قبل. فبعد ما يزيد عن العام والنصف من هذه الحالة أًسقطت كل الأقنعة التي كانت تغطي وجه الاحتلال، وكل الأوهام التي عاشها المجتمع الدولي حول حلول تسوية القضية الفلسطينية بدأً من قرارات الشرعية الدولية ووثيقة الاستقلال الفلسطينية وشتى المبادرات العربية والدولية حول حلول الدولة المتمثلة في “حل الدولتين” أو حتى فكرة “الدولة الواحدة”.


إن ما يحدث في غزة والضفة الغربية يومياً، يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أننا أمام انهيار تام لكل مشاريع التسوية، وأننا نعيش الآن واقع بعيد كل البعد عن هذه المشاريع فلا دولتين ولا دولة واحدة، بل نظام استعمار استيطاني احلالي عنيف يسعى لتفريغ الأرض من شعبها، وتكريس التفوق العنصري بالقوة والابادة والتطهير العرقي.

من “حل الدولتين” إلى “لا دولتين”: نهاية وهم التسوية:


لطالما تصدّر “حل الدولتين” الطروحات والمبادرات الدولية كمدخل لتسوية الصراع، لكن الواقع أثبت أنه لم يكن سوى غطاء لتكريس الاحتلال، فبعد طوفان الأقصى، تهاوت هذه الفرضية تماماً خاصةً بعد ما قامت به من إبادة جماعية وتطهير عرقي في قطاع غزة ومحاولات للتهجير القسري والطوعي للفلسطينيين، إضافة إلى تطبيق سياسات يمينية متطرفة أدت إلى تفتّتت الضفة الغربية لكانتونات معزولة عن بعضها البعض ومحاصرة بعد من الحواجز والبوابات العسكرية على مداخل القرى والمدن الفلسطينية، أما إسرائيل، فقد تخلّت عن كل التزاماتها القديمة، وأعلنت عملياً، من خلال سياساتها، أن الدولة الفلسطينية المستقلة لم تكن يوماً خياراً حقيقياً .


في هذا السياق، لم يعد حل الدولتين مطروحاً كخيار واقعي، بل أصبح شعاراً يُستخدم للضغط عند الحاجة، ويُطوى متى اقتضت المصالح.


والواضح أننا أمام “لا دولتين”، واقع بلا سيادة، وبلا حدود، وبلا أفق، تغيرات إقليمية ودولية قد تؤدي الى تغيير الخريطة الجيوسياسية للمنطقة بأسرها والحالة تعمها الفوضى…


لذا نتساءل باستمرار إلى أين نحن ذاهبون؟

هل نحن ذاهبون إلى صراع مفتوح أم إنهاء يتجاوز الحسابات التقليدية لهذا الصراع؟


اليوم ندرك أن طوفان الأقصى لم يكن مجرد عملية عسكرية، بل كان إعلاناً لانتهاء مرحلة سياسية كاملة: مرحلة التسوية، والانتظار، والتعويل على المجتمع الدولي.


نحن الآن أمام معادلة جديدة: لا شريك للسلام، ولا حلول وسط، بل شعب يواجه مشروعاً إحلالياً بالكامل يرافقه ازدواجية معايير دولية متواصلة.


فالاحتلال الإحلالي يقوم على إبادة وتطهير عرقي لسكان البلاد الاصلية والسيطرة على البلاد دون سكانها وتبديل السكان بسكان جدد غير الأصليين وتغيير طابع الأرض بما يتلاءم مع الاحتلال وسياساته وهذا ما نراه اليوم: استيطان، إبادة للسكان الأصليين، تطهير عرقي، تغيير طابع وشكل الأرض ليلائم المستوطنات وسياسات الاحتلال.
بعد هذا العدوان والابادة، والحصار، والهدم، ومع انكشاف زيف الدولة الإسرائيلية كدولة ديمقراطية، وازدواجية حقوق الانسان والمعايير الدولية، وتصاعد الخطاب العالمي المناهض لإسرائيل والداعم للقضية الفلسطينية حتى وإن كان شعبياً بدأت ملامح التحول في الرأي العام الدول حول حقيقة أن النضال الفلسطيني ليس مشروع دولة فقط، بل مشروع حرية وهوية وكرامة.


الصراع الوجودي: كيف تنتهي مثل هذه الصراعات؟


تاريخياً، الصراعات من هذا النوع تنتهي بثلاثة مسارات رئيسية:


الإبادة الجماعية والتطهير العرقي: كما حصل مع سكان أمريكا الأصليين، وكما جرى في البوسنة والهرسك.
وهنا يجب التذكير بأن ما يحصل في فلسطين وخاصة في قطاع غزة هو إبادة جماعية ممنهجة.
الاندماج في دولة واحدة: كما حصل في جنوب أفريقيا بعد سقوط نظام الفصل العنصري، أو كما حدث في الولايات المتحدة بعد الحرب الأهلية.


العمل النضالي والتحرري: كما فعلت الجزائر في وجه الاستعمار الفرنسي، وكما فعلت فيتنام ضد الاحتلال الأمريكي.
وفي الحالة الفلسطينية: القضية تختلف بالرغم من اشتراكها مع سابقاتها بكونها صراع وجودي تحرري، فلا الإبادة الجماعية نجحت، ولا الاندماج ممكن في ظل النظام العنصري الإسرائيلي، ما يجعل النضال بكافة أشكاله هو الخيار الوحيد المتبقي، والوحيد القابل للاستمرار.


اليوم تشهد الضفة الغربية سياسات متطرفة كسياسات سموتريتش: نحو تهجير طوعي ثم قسري وهذا تنفيذ فعلي لخطة ترانسفير صامتة يقودها المتطرفون في حكومة الاحتلال، وعلى رأسهم بتسلئيل سموتريتش. الخطة لا تتحدث عن السلام، بل عن الضم، والمصادرة، والخنق، مصادرة الأراضي وضمها تدريجياً، عزل المدن الفلسطينية عن بعضها البعض، زيادة البوابات الحديدية والحواجز العسكرية، التضييق الاقتصادي وسرقة أموال المقاصة، هدم المنازل وتهويد المناطق.


هذه السياسة تهدف إلى دفع الفلسطينيين إلى التهجير الطوعي، تحت ضغط الواقع المرير، تمهيداً لموجة تهجير قسري إذا ما أتيحت الظروف.


أمام هذه السياسات، تبرز حقيقة صارخة: لم يعد هناك أي مشروع سياسي قائم أو قابل للحياة. فلا دولتين، لأن الأرض لم تعد قابلة للتقسيم، ولا دولة واحدة، لأن إسرائيل ترفض منح الفلسطينيين أي شكل من أشكال الشراكة. بل نحن أمام نظام فصل عنصري موسّع، يكرّس هيمنة فئة على أخرى بالقوة.

ورغم كل المعاناة، ما يزال الفلسطينيون صامدين، لا لأنهم اختاروا ذلك فقط، بل لأن لا خيار آخر أمامهم إلا الصمود.
ملامح الرد الفلسطيني القادم


إذا كان الاحتلال قد اختار طريق التصفية، فإن الشعب الفلسطيني بدأ يُعيد إنتاج أدواته النضالية، فالمقاومة المسلحة في غزة، والتصعيد الشعبي في الضفة، والمقاطعة والوعي السياسي في الداخل الفلسطيني والشتات، كلها تشكّل ملامح موجة نضالية جديدة.


لذا تتطلب هذه المرحلة وحدة وطنية حقيقية تتجاوز الانقسام لإعادة صياغة المشروع الوطني على أسس تحررية شاملة، وليس فقط على حدود دولة. إضافة إلى تبنّي خطاب الحقوق الكاملة، لا فقط الدولة المتجزأة. إلى جانب تصعيد العمل الشعبي، والإعلامي، والدبلوماسي.
الخلاصة: من تحت الركام سيولد المشروع


قد لا يكون هناك حل سياسي في الأفق القريب، لكن الوضوح بات أكبر من أي وقت مضى: نحن لا نعيش مرحلة سلام معلّق، بل مرحلة مقاومة مفتوحة، ومثل كل حركات التحرر في التاريخ، فإن المشروع الوطني الفلسطيني لن يُهزم طالما استمر الإيمان بالحق، والصمود على الأرض، والوعي بالعدو.


إن كان الاحتلال يحاول أن يصنع واقع “لا دولتين”، فليكن. لكن الفلسطينيين قادرون على تحويل هذا اللا واقع إلى حقيقة نضالية أقوى من كل مشاريع التصفية.

شاهد أيضاً

قوات الاحتلال تقتحم نحالين غرب بيت لحم

شفا – اقتحمت قوات الاحتلال الإسرائيلي، بلدة نحالين، غرب بيت لحم. وأفادت مصادر أمنية، بأن …