تسليم جثث الشهداء بين أمل العود وماسي الأهل
قناديل فلسطين الشهداء الأبرار حُرموا من دفن أجسامهم الطاهرة في مقابر المسلمين ،بسبب ممارسات المحتل الغاشم الذي لم يكتفي بقتلهم فحسب،فأسر جثامينهم ووضعها فيما يعرف بـ “مقابر الأرقام” التي يدفن فيها الشهداء الفلسطينيون دون مراعاة لأية مشاعر دينية أو إنسانية .
اياد سرور طاف على ذوي الشهداء في الخليل المرشح تسليم جثامينهم في الأيام القليلة القادمة ليسمع أنات أمهاتهم ونسائهم اللواتي لا زلن يحلمن بدفنهن في مسقط رأسهن التي ولدوا فيها وعاشوا واستشهدوا على أرضها بطريقة شرعية .
عرس وطني
نزلنا بيت الشهيد “عبد الله القواسمة” الذي استشهد في 21/6/2003م والتقينا زوجته الصابرة “أم أيمن” التي تحدثت بصعوبة بالغة “قضية الشهداء تجدد كل عام “،وأكدت أن أول مره تم طرح تسليم جثث الشهداء كان يوم تخرج إبنها البكر أيمن في يوم تخرجه من الجامعة وأنه عندما سمع الخبر عاد إلى أمه يردد اليوم سيتم تسليم جثة والدي ,وشددت أنه لم تتم فرحة التخرج وكذلك لم يتم التسليم فكان الوعد سراباً , وأنه تكرر هذا الأمر أكثر من مرة طوال السنوات التسعة الماضية .
وظهرت مشاعرها الحزينة بقولها:”يتجدد ألمي وعائلتي خاصة أبناء الشهيد لأنه ليس سهلاً علينا العيش باطمئنان وجثمان زوجي الشهيد محجوز عند الاحتلال” .
وشددت على أنه إذا كان هناك قناعة أن الشهداء هم أكرم الناس وأعظمهم فلابد أن نترجم ذلك إلى واقع عملي بالضغط على الاحتلال ليسلم الجثامين والتعامل مع الشهداء بطريقة تليق بهم وهي الوداع والدفن وليس بعقاب ذويه خاصة أن كل الشرائع السماوية والقوانين الوضعية في كل الدول تضمن تسليم الجثامين بعد مفارقتهم الحياة الدنيا “.
وأكدت أن يوم تسليم الجثامين سيكون عرساً وطنياً حيث سنزفهم فيه لتوارى جثامينهم في أرضهم الطاهرة التي ضحوا من أجلها.
دفن الملائكة
في طريقنا للقاء “أم محمد” والدة الشهيد “محمد أيوب سدر” الذي استشهد 14/8/2003وصلت رسالة إخبارية على الهاتف النقال مفادها تسليم الجثامين يوم الجمعة القادم في الأول من شهر حزيران 2012م فأخبرنا والدته بفحوى الخبر التي ردت علينا بثبات ويقين:”ليس هناك أي وعود حقيقية لتسليم جثث أبناءنا فما نسمعه فقط تصريحات إعلامية ،وأنه لم نبلغ رسمياً بشيء ،ومع ذلك أكدت على أن كل إنسان يُحب أن يدفن ابنه بيديه بالرغم من ذلك فقلبي مطمئن لأن أبني شهيد وأن الله قادر على أن يُرسل ملائكة تُدفنه على الطريقة الإسلامية التي تليق به.
وشددت على أن فرحة شهادة أبنها كانت ممزوجة بالألم وخاصة بالطريقة البشعة التي استشهد حيث ردم عليه البناء الذي كان يختبأ فيه بعد مطاردة طويلة ،وزاد حزنها أسر جثمانه الطاهر .
وأكدت أنه كلما تم تداول أخبار التسليم تتفتح جروحهم وتزداد أحزانهم ,وأن ما يصبرهم هو زف أبنها في عرس فلسطيني مهيب تتوارى فيه جثامينهم تراب الخليل ،وأنه عندها فقط تطمئن قلوبنا وتقر عيوننا .
الأسرى الأحياء أولاً
أكملنا مسيرتنا واستزدنا بلقاء “أم مؤمن “زوجة الشهيد رائد مسك
الذي لقي ربه في عملية استشهادية بالقدس بتاريخ 18/8/2003م التي اعتبرت التسليم خطوة مفيدة وأكدت أنها لم تسمع أي وعود رسمية موثوق فيها لنستعد لاستقبالهم.
وحينما توجهنا إليها بالسؤال عن شعورها سكتت بُرهة وظهر الدمع في عينيها وقالت :” لا شك فيها أنها تجديد للآلام ونحن نعلم أن الروح عند الله وتعيش عيش السعداء لكن الأمر ليس سهلاً علينا ،وعلى كل أهالي الشهداء المحجوزة جثامينهم .
واستدركت حديثها ومع ذلك لو خيرت بين تسلم جثة زوجي الشهيد أو إخراج أسير حي من السجن فمن المؤكد أنني سأختار حرية الأسير لأني أعلم علم اليقين أن روح زوجي في جنات الخلد .
وناشدت العالم الحر ضرورة التحرك ،وشددت على أنه لو كان الأموات ينتمون إلى دولة الاحتلال الإسرائيلي لتحرك العالم من أجلهم ،أما جثث شهداء الأرض الطاهرة فالعالم كله يعيش في صمت دائم وسباتٍ عميق وختمت حديثها بالقول :”لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم “.
الخليل – اياد سرور