
معرض هاينان الدولي الخامس للسلع الاستهلاكية: ركيزة الصين لمواجهة التحديات التجارية ، بقلم : تشو شيوان
يتسائل الكثيرون كيف سيكون قوة الاقتصاد الصيني على امتصاص الصدمات ومواجهة أزمة التعريفات الجمركية التي فرضتها الولايات المتحدة على الصين، والتي قامت الصين بدورها بفرض تعريفات جمركية على البضائع الأمريكية وفي مواجهة هذه الإجراءات الحمائية تعمل الصين على تسريع تكامل التجارة الداخلية والخارجية من ناحية، ومن ناحية أخرى، تمضي قدما بخطى ثابتة في توسيع انفتاحها على الخارج، وخلال الفترة المقبلة سوف يرى العالم بشكل أكثر وضوحا أن نزعة الحماية التجارية طريق مسدود وأن الانفتاح والتعاون فقط هما القادران على كسب المستقبل، وهذا رهان قوي ستتكشف نتائجه يوماً بعد يوم.
في ظل التحديات الاقتصادية العالمية وتصاعد موجة الحمائية التجارية، يبرز معرض هاينان الدولي الخامس للسلع الاستهلاكية كإحدى الركائز الحيوية التي تعتمد عليها الصين لتعزيز مرونة تجارتها الخارجية، ففي الوقت الذي تفرض فيه الولايات المتحدة تعريفات جمركية عشوائية وتواجه العولمة الاقتصادية عراقيل متزايدة، نجحت الصين في تقديم رسالة واضحة للعالم: أن الانفتاح والتعاون لا يزالان خيارها الاستراتيجي، وهذا الخيار لا يمكن للصين التخلي عنه أولاً كدولة مسؤولة تمارس دورها الإيجابي العالمي، وثانياً كدولة كبرى اقتصادياً ولها حلول الاستراتيجية لمواجهة جميع التحديات.
لقد اختتم المعرض في 18 أبريل الجاري محققًا أرقامًا قياسية، حيث استقطب أكثر من 1,767 شركة و4,209 علامة تجارية من 71 دولة ومنطقة حول العالم، وبلغ حجم التعاون الموقع خلال المعرض حوالي 92 مليار يوان صيني، مما يعكس الثقة المتزايدة بالسوق الصينية رغم التقلبات الدولية. المثير للاهتمام أن مئات الشركات أكدت رغبتها في المشاركة في الدورة المقبلة، ما يبرهن على الجاذبية المتنامية للسوق الاستهلاكية الصينية، وهذه الأرقام خير برهان أن الانفتاح والتعاون هما الأساس والطريق الأسلم لضمان استقرار العالم اقتصادياً.
يأتي هذا النجاح مدعومًا بإمكانات السوق المحلية إذ صلت مبيعات التجزئة إلى 48.8 تريليون يوان صيني عام 2024، بزيادة سنوية قدرها 3.5% مقارنة بعام 2023 ما يعزز مكانة الصين كثاني أكبر سوق استهلاكية في العالم، وقد أشار العديد من العارضين الأجانب إلى أن فرص النمو والتوسع التي يتيحها السوق الصيني كانت الدافع الرئيسي لمشاركتهم في هذا الحدث، وأيضاً برزت أهمية هذا المعرض لكونه نافذة للسوق الصيني والتي باتت فرصة أمام الكثير من الدول ممن تمارس عليهم الولايات المتحدة حمائية تجارية غير مسبوقة، وهؤلاء يجدون في الصين والسوق الصيني فرصة كبيرة لتعويض الخسائر وتدارك الأمر.
أيضاً يجب أن نذكر هنا أن المعرض يُعزز مكانة هاينان بوصفها منصة رئيسية للانفتاح الاقتصادي، ففي إطار سياسات المنطقة الحرة يتمتع المشاركون بمزايا مثل التعريفة الصفرية مما يسهم في تدفق السلع عالية الجودة إلى الأسواق الصينية والعالمية على حد سواء، وهذا التوجه يضع هاينان في موقع الريادة كمحور حيوي للتجارة الحرة والانفتاح، وهنا يجب أن نقول بأن الصين تمضي في الاتجاه المعاكس للولايات المتحدة، فالصين تدفع نحو الانفتاح والتشارك والولايات المتحدة نحو الانغلاق والحمائية.
من جهة أخرى، يعكس المعرض ديناميكية الابتكار في الصين، فمع تسارع تطوير قوى إنتاجية جديدة وعالية الجودة، يتم تجديد السوق الاستهلاكية الصينية باستمرار، ما يوفر بيئة خصبة لنمو الشركات المحلية والأجنبية على حد سواء، أظهر تقرير الابتكار الوطني الأخير أن الصين قفزت عشرة مراكز خلال عقد واحد، لتصبح ضمن العشرة الأوائل عالميًا في مجال الابتكار، وهو عامل محوري في تعزيز مرونة التجارة الخارجية، وهذه النقطة تحديداً أجدها من أهم النقاط حيث أن الصين تؤمن بأن الابتكار هو من سيقود المستقبل وهو المحرك الأساسي للاقتصاد.
وفي ظل استمرار انعقاد معارض دولية كبرى مثل معرض كانتون ومعرض الصين الدولي للاستيراد، تواصل الصين الوفاء بوعودها بالانفتاح العملي، لا بالأقوال فقط بل بالافعال خصوصاً وسط حالة الاضطراب في النظام التجاري العالمي، وهنا يقدم معرض هاينان دليلاً حياً على قدرة الصين على تحويل التحديات إلى فرص، معتمدة على سوقها الواسعة، وسياساتها التفضيلية وديناميكية الابتكار الدائم.
في النهاية لدي رأي أجده مهماً بأن الانفتاح هو الحل؛ إذ أن الصين لا تزال قلب الاقتصاد العالمي النابض من خلال الجمع بين قوة السوق المحلية، الابتكار التكنولوجي، والشراكات العالمية، وتظهر الصين أن الحمائية ليست حلاً بل الانفتاح والتعاون هما الطريق لاقتصاد مستقر ومزدهر، وكما قال أحد العارضين الأجانب: “السوق الصينية ليست فقط كبيرة، ولكنها ديناميكية وتقدم فرصًا لا مثيل لها”. وبهذه الروح، تواصل الصين كتابة فصل جديد في تاريخ التجارة العالمية؛ فصل تقوده الشراكات وليس الحواجز، والثقة وليس الشكوك.