
«الأقصى».. ودلالات أوامر الإبعاد ، بقلم : أحمد عبدالوهاب
تزايدت في الآونة الأخيرة، وتيرة إصدار الاحتلال الإسرائيلي أوامر الإبعاد عن المسجد الأقصى، في تطور مثير للقلق يُعيد إلى الواجهة تساؤلات عميقة حول الحريات الدينية في مدينة القدس، والتوازن المضطرب بين ما يُسمى بـ«الأمن» ومتطلبات الحفاظ على الحق في العبادة والوصول إلى الأماكن المقدسة، هذه الأوامر التي تستهدف في الغالب فلسطينيين من القدس الشرقية والداخل المحتل، لا تصدر دائماً بناءً على إجراءات قانونية واضحة أو اتهامات مثبتة، بل غالباً ما تُبنى على تقارير استخبارية ومزاعم فضفاضة تتعلق بـ”التحريض” أو “الإخلال بالنظام العام”.
تسجل الشهادات المتواترة عن تصاعد هذه الإجراءات منذ بداية العام، ارتفاعاً ملحوظاً خلال شهر رمضان المبارك، وهي فترة تتسم بحساسية دينية عالية، حيث يتضاعف عدد المصلين في المسجد الأقصى، وتُحيى ليالي العبادة بروحانية خاصة، لكن بدلاً من احترام هذا السياق، يبدو أن السلطات الإسرائيلية قد اختارت أن تتعامل مع المسجد بوصفه ساحة أمنية قابلة للضبط والسيطرة، بدلاً من كونه مكاناً مقدساً يستوجب الحماية والاحترام.
- اقتحامات الجماعات المتطرفة
يرى مراقبون أن أوامر الإبعاد لم تعد مجرد إجراءات استثنائية لحالات بعينها، بل تحولت إلى سياسة ممنهجة تهدف إلى تقليص الوجود الفلسطيني النشط في المسجد الأقصى، خاصة ذلك الذي يرتبط بالحركة الشبابية والدينية التي ترى في الدفاع عن الأقصى واجباً دينياً ووطنياً، وعادةً ما تُسلم هذه الأوامر بشكل مفاجئ للمواطنين عند مداخل المسجد أو منازلهم، وتتفاوت مدتها من أيام إلى أشهر، قابلة للتجديد من دون توضيحات أو محاكمات فعلية.
اللافت أن هذه الإجراءات تأتي في وقت تتصاعد فيه اقتحامات الجماعات الاستيطانية المتطرفة للمسجد الأقصى، تحت حماية مشددة من قوات الأمن، فيما يُمنع المصلون الفلسطينيون من التواجد في المكان ذاته تحت ذرائع تتعلق بـ«السلامة العامة»، هذا التباين في التعامل يُبرز ازدواجية واضحة في تطبيق القانون، ويفتح المجال أمام اتهامات بأن هذه الأوامر تُستخدم كأداة سياسية لضبط المكان المقدس بما يخدم أهدافاً أوسع تتعلق بتغيير الوضع القائم في الحرم القدسي.
- تهويد القدس
من الناحية القانونية، تُثار إشكاليات كبيرة حول مشروعية هذه الأوامر، خاصة في ظل غياب شفافية في أسباب إصدارها، وندرة اللجوء إلى القضاء للطعن فيها، فالكثير من الممنوعين من دخول الأقصى يجدون أنفسهم أمام أمر واقع، دون أن يتمكنوا من الاعتراض الفعلي، بسبب تعقيدات النظام القضائي أو الشعور بعدم جدوى الطعن في قرارات يعتبرونها ذات طابع أمني مطلق.
في السياق الأوسع، تُفهم هذه السياسات ضمن محاولات متصاعدة لفرض «سيادة إسرائيلية» شاملة على المسجد الأقصى، كجزء من توجه سياسي أوسع لتهويد مدينة القدس وتفكيك طابعها العربي والإسلامي، وتأتي إجراءات الإبعاد كحلقة ضمن سلسلة طويلة من سياسات «المراقبة، الاعتقالات، التضييق على المصلين، التدخل في إدارة الأوقاف، ومنع الترميمات في المسجد».
غير أن هذه الإجراءات، وعلى الرغم من قسوتها، لم تفلح حتى الآن في ردع آلاف الفلسطينيين الذين يواصلون التوافد إلى المسجد الأقصى رغم المخاطر، ما يدل على تمسّك شعبي عميق بالمكان وقداسته، ورفض لأي محاولات لعزله عن محيطه الفلسطيني والإسلامي.
- الصراع على القدس
تمثل أوامر الإبعاد عن المسجد الأقصى واحدة من أكثر أدوات الضغط حساسية وتعقيداً في الصراع على القدس، وتكشف عن عمق التوتر بين الرواية الإسرائيلية الأمنية، والحق الفلسطيني في الوجود والصلاة في أحد أقدس الأماكن الإسلامية، وما لم يُعد النظر في هذه السياسات بشكل جذري، فإنها ستستمر في إذكاء التوترات، وتقويض أي فرص مستقبلية لبناء ثقة أو سلام دائم في المدينة.
ومن المؤكد أن إسرائيل، تسعى لتنفيذ مخطط «التهويد»، في الأماكن المقدسة وغيرها من الأراضي الفلسطينية، وتضع قوانين وكأنها «صاحبة الأرض»، دون اهتمام بالجانب الفلسطيني، فضلا عن المحاولات المستمرة من جانب الجماعات اليهودية المتطرفة، التي تقوم بممارسات تتنافى مع التقاليد والأعراف، لفرض واقع التواجد «الإسرائيلي – اليهودي» والتوغل داخل منطقة القدس المحتلة.