
الدكتورة رمز عكوبة ، رمز العطاء وأيقونة الأثر الجميل ، بقلم : د. تهاني رفعت بشارات
في رحلة الحياة، تمرّ بنا الأرواح كما تمرّ النسائم، بعضها يترك أثرًا عابرًا، والبعض الآخر يغرس في القلب جذورًا لا تذبل، وعبيرًا لا يغيب. ومن بين هذه الأرواح النبيلة التي شرّفني القدر بلقائها، كانت الدكتورة رمز عكوبة، امرأة فلسطينية استثنائية، جمعت بين بساطة الروح، وعمق الفكر، وسمو الأخلاق.
عرفتها من خلال أختي، ومنذ اللحظة الأولى التي التقيت بها، شعرت أنني أمام إنسانة لا تشبه سواها. كانت حديثها يحمل طاقة إيجابية تُضيء المكان، وابتسامتها تنثر أمانًا كالندى على أوراق الصباح. امرأة تمشي بثقة، لكن بخُطى من تواضع، تتكلم بثبات، ولكن بنبرة من حنان. إنها رمز للمرأة الفلسطينية التي تُكافح بصمت، وتُبدع بتواضع، وتزرع الخير في كل دربٍ تسلكه.
لم تكن مجرد صيدلانية أو أكاديمية، بل كانت لوحة متكاملة من الإنجاز والعطاء. أمّ حنون، وصاحبة صيدلية تسهر على راحة الناس، وباحثة تطارد الحلم العلمي بجدّ واجتهاد وهي تتابع دراستها العليا في الدكتوراه، فكانت كالنحلة النشيطة التي لا تهدأ، تجمع من أزهار المعرفة وتُنتج رحيقًا من التميّز.
ولم يلفتني في شخصيتها حجم المسؤوليات التي تنهض بها فقط، بل أسلوبها في أداء كل دور، إذ تمزج بين الحزم والرحمة، وبين الجدّ والمرح، وبين الصمت العميق والكلمة المؤثرة. حين بدأت تسألني عن الدراسة في ماليزيا، وعن البحث العلمي وخطوات النشر، لم تكن تسأل كطالبة علم، بل كإنسانة عاشقة للمعرفة، تُلهب من حولها بالشغف، وتُشعل في القلوب شعلة الطموح. كانت تهتم بأدق التفاصيل، وتُنصت بحب، وتناقش بعقلٍ متّزن، وروحٍ منفتحة.
وما زاد إعجابي بها، هو علاقتها الراقية بأختي، علاقة تتجاوز الزمالة إلى أختية صادقة، مشبعة بالدعم المتبادل، والمشاركة المعرفية، وكأنّ بينهما نهرًا من الملاحظات والمراجع والكتب، يجري دون توقف. كانتا تتشاركان كما تتقاسم الورود عطرها، وكما تتبادل الأشجار الظل في حرّ الصيف، فشعرت حينها أن لي أختًا ثانية في نابلس، وأن الخير ما زال حاضرًا في زمن العلاقات المتسارعة.
الدكتورة رمز… اسمك ليس فقط رمزًا لتميزك العلمي، بل لعمقك الإنساني، وأثرك النبيل الذي لا يُنسى. كنتِ وستبقين تجسيدًا حيًّا لقولهم: إنما الإنسان أثر، وها هو أثرك يملأ القلوب دفئًا، والعقول وعيًا، والنفوس امتنانًا.
لكِ كل التقدير والاحترام، لأنك لستِ فقط دكتورة في البحث والعلم، بل دكتورة في الإنسانية، والوفاء، والرقيّ. دمتِ شعلة تضيء درب من عرفك، ودام اسمك رمزًا للعطاء، ورائحة طيبة تعطر ذاكرة الأيام.