إنها دمشق عندما تغضب يهتز لغضبها أركان النظام الذي راهن على أهلها الصامتين، ظناً منه أن صمتهم دليل رضى أو خنوع أو خوف أو مهابة، وما ظن أبله القصر الجمهوري في المهاجرين أن دمشق وأهلها عركتهم التجارب والمحن وتقلبات الأيام، وأن صمتهم لم يكن إلا الصمت الذي يسبق العاصفة، لأنهم لا يريدون أن يكون تحركهم زوبعة في فنجان، بل يريدون ان يكون العاصفة التي تسبق الإعصار، فهبوا هبة رجل واحد يمسكون بيد واحدة عنق النظام في مقتل لطالما أنه ظن أن تجار الشام أهل دنيا ومال وجاه ونعيم وقصور فخمة وسيارات فارهة، وكأن هذا الأبله لم ير أو يسمع هبتهم المضرية التي جمعتهم على غير موعد أو تخطيط عندما انتفضوا في سوق الحميدية قبل الثورة نصرة لأحدهم أهانه عنصر أمن، ورددت حناجرهم – غير آبهين بوزير الداخلية ورجال أمنه – الشعب السوري ما بينذل!!
أبله القصر الجمهوري الجاهل بتاريخ دمشق ومعادن أهلها لم يسمع ما قاله الحجاج في أهل الشام وقد استعان بهم لدحر الخوارج الذين هزموا عشرات الجيوش التي تصدت لهم ولم يفلحوا في قهرهم أو كف يدهم عن سفك دماء المسلمين وتماديهم في قتل النساء والأطفال والشيوخ والعاكفين بالمساجد كما يفعل شبيحة النظام اليوم:
يا أهل الشام إنما أنا لكم كالظليم (ذكر النعام) الرامح عن فراخه ينفي عنها القذر، ويباعد عنها الحجر، ويكنّها من المطر، ويحميها من الضباب، ويحرسها من الذباب.. يا أهل الشام.. أنتم الحنة والبرد، وأنتم الملاءة والجلد، أنتم الأولياء والأنصار، والشعّار والدثّر، بكم يُذبَّ عن البيضة والحوزة، وبكم تُرمى كتائب الأعداء ويهزم من عاند وتولى.
وقال في وصفهم: لا يغرنك صبرهم ولا تستضعف قوتهم، فهم إن قاموا لنصرة رجل ما تركوه إلا والتاج على رأسه، وإن قاموا على رجل ما تركوه إلا وقد قطعوا رأسه، فانتصروا بهم فهم خير أجناد الأرض. وأتقي فيهم ثلاث: نساءهم فلا تقربهم بسوء وإلا أكلوك كما تأكل الأسود فرائسها، وأرضهم وإلا حاربتك صخور جبالهم، ودينهم وإلا أحرقوا عليك دنياك!!
وهاهم أهل الشام بنخبهم الاقتصادية والتجارية والمالية ينتفضون ويدخلون بقوة على خط الثورة السورية وينفذوا إضراباً شاملاً في أسواق المدينة التاريخية والرئيسية والفاعلة التي كان ينظر إليها على أنها معاقل للنظام السفيه الأبله، وكان في مقدمة هذه الأسواق المضربة سوق الحميدية وباب سريجة والحريقة ومدحت باشا والحلبوني والجزماتية وغيرها من أسواق دمشق الرئيسية والفرعية، وهو ما شكل انتكاسة خطيرة للنظام السوري ودعماً قويا للثورة السورية، وقد هدد عناصر الأمن الأسدي التجار بحرق وتدمير دكاكينهم إن لم يفكوا الإضراب، لكن التجار رفضوا التهديد وواصلوا الإضراب لليوم الثالث، والذي جاء ردا على مجزرة الحولة والقتل في حي الميدان وغيره من الأحياء الدمشقية الوطنية العريقة. وبهذا تكون العصبة الحاكمة السفيهة البلهاء في دمشق قد فقدت أهم الملاذات التي كانت تعول عليها.
ولم يكن المشهد الدمشقي هو الوحيد الذي أفقد النظام توازنه وهز قواعده، بل كان هناك تحرك إنساني عالمي صُدم بما خلّفته مجزرة الحولة، فقد اجتمع مجلس الأمن على عجل وأصدر بياناً بإدانة نظام دمشق السفيه الأبله على ما ارتكب من جريمة بحق الأطفال والنساء والشيوخ والمدنيين في الحولة، بموافقة المندوب الروسي والمندوب الصيني، اللذان هزتهما الجريمة البشعة التي ارتكبها النظام السوري في الحولة، وإقدام عدد كبير من الدول الكبرى والهامة على طرد السفراء والقائمين بالأعمال السوريين من أراضيهم لأنهم يمثلون نظام قاتل ومجرم يجب أن يساق قتلته إلى محكمة جرائم الحرب في لاهاي.