
حكاياتٌ تنير العقول وتلهم الأرواح
شفا – صدر حديثًا عن “جُفرا ناشرون وموزعون” في عمّان، الأردن، كتابٌ بعنوان “قبسات هادئة في عتمة الطريق”، من تأليف كلٍّ من الدكتور محمود جودت محمود قبها والدكتورة تهاني رفعت بشارات، وهو عملٌ أدبيٌّ وفكريٌّ جامع، ينسج من خيوط القصص الإنسانية والدينية والتاريخية قبسات من النور تلامس الوجدان، وتوقظ في النفس شعلة التأمل والسعي نحو المعاني الكبرى.
جاء هذا الإصدار المميز تحت رقم الإيداع الوطني ر.إ.2025/12/2702، وصنّف تحت عنوان: الأدب العربي– العصر الحديث، وقد اتخذ من القصة وسيلة، ومن القيم منهجًا، ومن العِبرة ضوءًا يُبدد ظلمات الطريق، ويعيد رسم معالم المسير.
ما يميز هذا الكتاب– إلى جانب عمق مُحتواه– هو صدوره بلغتين: العربية والإنجليزية، وقد تولّت الدكتورة تهاني رفعت بشارات ترجمة النصوص إلى اللغة الإنجليزية، في جهدٍ دؤوب يعكس حرص المؤلفَين على جعل القيم التي يحملها هذا العمل متاحة لقرّاء من مُختلف الثقافات واللغات، ليكون جسرًا عابرًا للحدود، وناقلًا للرسائل الإنسانية الجامعة التي تتجاوز الزمان والمكان.
ينتظم الكتاب في مجموعة من الوقفات التأملية التي تتناول شخصيات من الأنبياء، والقادة، والمفكرين، والعلماء، والنساء المُلهمات، لتقدّم لكلّ قارئ درسًا حيًّا في الصبر والإيمان، والتضحية والإصرار، والقيادة والشجاعة، والعدل والتواضع، والنضال والتسامح.
فمن صبر نوح عليه السلام، إلى ثبات أصحاب الكهف، ومن حكمة سليمان عليه السلام، إلى فروسية خالد بن الوليد، ومن إصرار غاندي، إلى عبقرية ابن سينا، ومن إيمان فاطمة الزهراء، إلى نضال الشهيد ياسر عرفات… تتلاقى القصص في نَسق إبداعيّ يُعيد للذاكرة حيويتها، وللضمير يقظته، وللقارئ معناه المفقود في زمن التيه الروحي والقيمي.
إن “قبسات هادئة في عتمة الطريق” ليس مجرد سردٍ حكائي؛ بل هو مشروع فكري تربوي، يدعو القارئ إلى التأمل العميق في المعاني الكامنة وراء الأفعال والتجارب، ويحفّزه على تمثّل القيم النبيلة في حياته اليومية، بعيدًا عن الخطابة الجوفاء أو التنظير العقيم، لقد عمد المؤلفان إلى ربط الماضي بالحاضر، واستحضار الرموز الكبرى لا لتمجيدها فحسب؛ بل لاستخلاص ما يمكن أن يشكّل زادًا معنويًّا للأفراد والمُجتمعات في معركتهم اليومية ضد الفراغ القيمي، والتشظّي الروحي، والانهزام الداخلي.
وسط عالم يضجّ بالتشتت والتضليل، يأتي هذا الكتاب كصوتٍ هادئ يحمل في طيّاته عبق الحكمة وسكينة التأمل، ويقف على ناصية الطريق كقنديلٍ ينير الدرب للباحثين عن معنى، والتائهين في زحمة السؤال، إنّه دعوة صريحة إلى استعادة إنسانيتنا من خلال الاقتداء بمن صنعوا المجد، وتحمّلوا الألم، وتمسّكوا بالحلم في وجه العاصفة.
في الختام…
“قبسات هادئة في عتمة الطريق” كتاب يُقرأ بالعين، ويُلامس القلب، ويُحاكي العقل، ويُلقي بظلاله الوارفة على النفوس التوّاقة إلى الإلهام، هو أكثر من كتاب؛ إنه مرآةٌ للروح، وخريطة للبحث عن الذات في ملامح العظماء، إنه إسهام أصيل في زمنٍ تتكاثر فيه الضوضاء وتقلّ فيه المعاني، وصرخة هادئة في وجه العتمة، تقول بثقة: لا يزال في القصص حياة، وفي العبرة نور، وفي الكلمة بصيص أمل.