
المربية والمعلمة الفاضلة كفاية حثناوي ، صانعة الأثر وبانية الأجيال ، بقلم : د. تهاني رفعت بشارات
في دروب الحياة، يمر بنا الكثير من الوجوه، لكن قلائل هم من يتركون في أرواحنا بصمات لا تمحوها السنون، وأثرًا يتغلغل في الذاكرة كعطرٍ لا يبهت، كنسمةٍ دافئة تهبّ في لحظات الاحتياج. ومن بين أولئك الذين نقشوا أسماءهم في قلبي بحروف من نور، كانت المربية والمعلمة الفاضلة كفاية حثناوي (أم حمزة)، سيدة تستحق أن تُسرد عنها الحكايات، وتُرفع لها القبعات، وتُخلّد سيرتها في صفحات الوفاء.
عرفتُ هذه المرأة النبيلة في أكثر من موقف، وكل مرة كانت تزيدني إعجابًا بها، وترسيخًا لقيمتها الإنسانية والتربوية في قلبي. عرفتها أولاً عندما قُدّر لي أن أدرّس ابنها، فكانت نعم الأم الحانية، التي تتابع وتدعم وتربي، كما كانت الزميلة النبيلة التي تتحلى برقي التعامل وسمو الأخلاق، فكان حضورها كالبلسم، وكأنها تحمل في حديثها طمأنينة، وفي سلوكها اتزانًا، وفي خطواتها دعاءً خفيًّا بالتوفيق والنجاح.
ومضت الأيام، حتى شاء القدر أن تتقاطع دروبنا مجددًا، حين سجّلت ابنتي في الروضة التي تعمل بها. وهناك، عاينتُ جانبًا آخر من عظمتها، فكانت المربية الحنونة التي تفيض حنانًا، والمعلمة التي تُشبه الشمعة، تذوب لتضيء لغيرها الطريق، تغرس القيم وتروي براءة الطفولة بقطرات من حُب، وصبر، وعلم. كانت ابنتي ترى فيها أمًّا ثانية، تحتضنها بمحبة، وتوجهها بلطف، وتغمرها بطاقة إيجابية تشعّ من ابتسامتها التي لا تغيب، ومن قلبها المملوء إخلاصًا ونقاءً.
كم هو جميل أن نجد في مؤسساتنا التربوية من يحملون هذه القلوب الرحيمة، والعقول المتّزنة، والنفوس التي تؤمن أن التربية رسالة لا وظيفة، وأن الأطفال أمانة لا عبء. المعلمة كفاية كانت – ولا تزال – مثالًا للمعلمة التي تُعلّم بالقلب قبل المنهاج، والتي تكتب في ذاكرة أطفالها دروسًا من الحب والاهتمام، لا تُنسى مهما طال الزمان.
لقد علّمتني هذه المرأة من خلال أفعالها أن الأثر لا يكون بالضجيج، بل بالعطاء الصامت، بالحب العميق، بالإخلاص الذي لا يُشهر نفسه. ومهما مرّت السنوات، سيبقى اسمها محفورًا في الوجدان، كأغنية دافئة تُعزف في لحظات الامتنان، وكقصيدة تربوية تروي حكاية امرأة وهبت نفسها للأجيال، فربّت وعلمت، وأحبّت بكل صدق.
حقًا، إنما الإنسان أثر… وأنتِ يا أم حمزة، كنتِ ولا زلتِ من أعطر الآثار، ومن أجمل المواقف، ومن أصدق النماذج التربوية. دمتِ قدوةً في العطاء، وربيعًا دائم الخُضرة في ذاكرة كل من عرفك.
لأمثالك تُرفع القبعات… يا صانعة الأجيال، وبانية الروح، وملهمة القلوب.