
اضطراب حال البال (1) : فقدان الذاكرة أم دوام النسيان، بقلم : د. غسان عبد الله
كثيرة هي مسببات وأنماط الاضطرابات التي يواجهها الانسان بشكل عام، والفلسطيني بشكل خاص . ما نحن بصدده هنا حالات فقدان الذاكرة ودوام النسيان، مع التأكيد المسبق أن هناك بونا شاسعا بين الحالتين .
من خلال الاصغاء الى مجموعة كبيرة من الأشخاص ( ذكورا واناثا، ومن مختلف الفئات العمرية والمجتمعية والثقافية )، وجدت أن هناك خلط وعدم تفريق بين مفهومي فقدان الذاكرة وحالات تكرار النسيان، الأمر الذي يساهم في رفع منسوب حالات الخوف والقلق لدى من يعاني من أي منهما، وأحيانا الوقوع في شرك تناول الأدوية الخطأ أو اتباع وصفات في غير محلها، مما يزيد الطين بلّة .
وبعجالة سريعة، سأتناول موضوع فقدان الذاكرة يلي ذلك تكرار حالة النسيان مع ذكرأهم أعراض كل من الحالتين ومحاولة اقتراح كيفية التعامل مع كل حالة، دون الخلط بينهما .
لنبدأ ب فقدان الذاكرة ( dissociative amnesia ).
يعنى بفقدان الذاكرة عدم تمكن الانسان من تذكر تجاربه/ خبراته عن طريق فقدان معلومات كانت تشكل لديه حالة الوعي/ الادراك الذاتي الكامل ، اما بشكل كلي أو جزئي، وذلك جراء اضطراب نفسي ألّمّ به/ واجهه وليس بسبب مرض فسيولوجي. اذ عادة ما تؤدي الأحداث الصادمة ( (Traumatic events لمثل هذه الحالات، لفترة قصيرة( من ذوي الذاكرة السمكية) أو قد تطول لوقت طويل( حادث سيارة- حريق)، أو بعد الحدث الصادم( ،Post Traumatic disorder)، اذ قد لا يظهر فقدان الذاكرة مباشرة بعد الحدث المؤلم بل يتم استرجاع الحدث حال وجود المنبه للحدث (reminders )، توفر اعتداء – تحرش جنسي، وفاة أحد الأقارب، التعرض لأعمال عنف ،ارهاب،ضيق مالي،سوء معاملة – تجربة الطفل الأسير أحمد المناصرة مثالا-، حيث يستجمع الشخص كل ما حصل معه لفترة قصيرة تسبب له ما يعرف بالشرود التفارقي (dissociative fugues ) .
تبدأ ملامح فقدان الذاكرة بالخلط الذهني عند فاقد الذاكرة، وبالتالي تتطور الحالة الى الخلط بين الأشياء ، وعدم القدرة على تذكر معلومات شخصيّة مهمّة ذات صلة باالحدث الصادم، وبدءظهور حالات الشرود الذهني مع القليل من الخلط بين الأشياء، وظهور حالات الحيرة عند الطلب منهم تحديد أشياء معينة .
قد يكون فقدان الذاكرة شاملا لكل ما حدث،أو لبعض المعلومات، كأن يتذكر مجريات ما تم دون القدرة على تذكر كامل التفاصيل: المكان أو الأشخاص والتعرف عليهم/عليه
بعد اجراء الفحوصات السريرية اللازمة، واستعراض الطبيب للتاريخ المرض للشخص، وألتأكد من عدم وصول الشخص الى حالة الخرف،أو وجود أسبابا عصبية لفقدان الذاكرة من خلال عمل صور رنين مغناطيس MRI أو عمل تخطيط كهربائي للدماغ EEG،ُللتأكد من عدم المعاناة من الصرع،أو اجراء اختبارات دم وبول للتأكد من عدم حالت تسمم بسب أخذ عقاقير مخدّرة,شريطة أن يقوم بكل هذه الفحوصات طبيب/ة مختص. بعدها، يتخذ المعالج القرار في توظيف أنجع السبل بالتعاون مع المعالج النفسي، للتخفيف أولا من حدة الحالة عبر ( لغة الحوار ) أو اللجوء الى توظيف التنويم المغناطيسى، كأحد السبل للخروج من حالة فقدان الذاكرة، أو تمارين يتم اعدادها مسبقا، تعتمد توظيف لغة الحوار، واجراء الفحوصات النفسانية، بعيدا عن الصراخ أو التوبيخ واظهار أي من علامات الاهانة ، على أن تتلائم مع حالة الشخص الذي يعاني من فقدان الذاكرة، و بعد تأكد ضمان الخصوصية والثقة بالشخص المعالج على أن لايبوح بما يفضي به فاقد الذاكرة.
أيضا ممكن اللجوء الى تعزيز ممارسة الروحانيات من قبل فاقد الئاكرة، بداء من تذويت ذلك كحالة ابتلاء عليه أن يصبر ويتقبل الوضع( وبشر الصابرين)، وممارسة الصلاة بكل خشوع وقنوت مع عدم اليأس والقنوط.
لن نغفل هنا أهمية ممارسة الرياضة البدنية وألعاب الرياضة الذهنية كوسيلة تعمل جنبا بجنب بقية الخطوات الأخرى المقترحة، لتسريع وتسهيل انجاز بدء التعافي رويضا رويضا.
تقوم الأسرة بتأمين بيئة داعمة لفاقد الذاكرة،سواء طويلة الأمد أو قصيرة الأمد، قبل العلاج وأثناءه وبعده، للمساعدة في الخروج من الحالة بأقصر وقت ممكن وبأقل التأثيرات السيكولوجية والجسمانية . يكون ذلك من خلال اشعار الشخص بالأمن وتجنب دوام الحديث عن وضعه أمام أفراد العائلة او الخارجين عن محيطها ، مع ضرورة الابتعاد أقصى ما يمكن عن الأدوية والتي قد تكون لها تأثيرات جانبية سلبية، لن يحمد عقباها لاحقا،يصحبها اليقظة غير المبالغ بها .
هناك ضرورة ملحة الى عدم تكرار الأهل، الحديث عن الماضي وما حصل خلاله، وكذلك التدريب المتواصل على التفكير من خلال تمارين خاصة تساهم في تعزيز التركيز،مثل: العد التنازلي أو اكتشاف الاختلافات في صور تعرض على الشخص فاقد الذاكرة .
في حالة بدء فاقد الذاكرة باظهار الميل للتعافي عبر استرجاع بعض المعلومات، يتوجب على المعالج المختص اعادة فحص ذلك ، كي لا تكون بمثابة مناورة من ذاك الشخص للتخلص/ التخفيف من خطوات العلاج والتي بلا شك هي مؤلمة للشخص ذات ولمن حوله، لا سيما في ظل الظروف الصعبة التي يعيشها الجميع والمتمثلة في تفاقم تردي الوضع الاقتصاصادي وصعوبة التنقل والمواصلات.
بعد التأكد من ثبات مؤشرات الميل الى التعافي، يقوم المعالج النفسي بمواصلة تقديم الخدمات اللازمة، بما فيها استدراج واستعمال أدوات وأساليب تتوافق مع حالات التقدم الملحوظة على سلوك من كان فاقدا للذاكرة، سواء بشكل كلي أو جزئي، مع توثيق وفهم الصدمة/ الصدمات التي حصلت وتسببت في الاضطرابات الذهنية ، وفتح ملف خاص ( يكتفى باعطاء كل حالة رقما حفاظا على الخصوصية والسريّة بأقصى الدرجات الممكنة. يحوي هذا الملف : وصفا للحالة ( الحادث الصادم، ملامح الاضطرابات الذهنية، طرق وأساليب العلاج التي تم اتباعها ، ارشادات حول كيفية تجنب مثل ذاك الحدث الصادم،(لا مانع من اعطاء الشخص الذي تلقى العلاج، نسخة مكتوبة بلغة بسيطة سلسة كي يفهمها ويتمكن من العمل بموجبها لاحقا).
سيجد المختصون المتابعون لحالة أشخاص فقدوا الذاكرة، أن هناك تفاوتا في درجات التعافي،اذ منهم من يتعافى ويسترد ذاكرته بسرعة و منهم من هو أبطئ في التعافي، ومنه من يزال بحاجة الى المزيد من الجهود الحثيثة والمتواصلة للاقتراب به الى حافة الشاطىء الاّمن .
بخصوص النسيان،ما يهمنا هنا النسيان غير الطبيعي وتكرار حدوثه وهل هو مرض نفسي أم أحيانا هو تكتيك لتفادي وتجنب اللوم والتوبيخ وأحيانا دفع ثمن ليس ببسيط، ومتى يتوجب أن نقلق منه.
لنتفق أولا على أن النسيان ليس مرضا لا يمكن الشفاء منه،و أن ليس كل نسيان هو مرض مثل الزهايمر أو الخرف. قد يكون النسيان بسبب اضطرابات متنوعة المصادر والأشكال، أو نتيجة تعارض وتعدد الأولويات مع وجود ذاكرة سمكية غير نشطة ضعيفة ،تكنى ب Hypomnesia أو بسبب مرض/أمراض فسيولوجية . عضوية .
يتوزع النسيان على النسيان العابر المفاجىء بمثابة نوبة( ارتباك)، سرعان ما يتخطاها الانسان ونسيان متكرر الحدوث تقف وراءه عدة أسباب منها النفسيّة أو التكتيكية كما أشرت سابقا بايجاز.
يمكن اعتبار النسيان خطرا ،في احدى الحالات التالية :-
⦁ تكرار حدوثه وبشكل مبالغ فيه مما يسبب الاحراج الاجتماعي للفرد وبالتالي قد يقود الى ضغوطات نفسيّة لاحقا
⦁ التسبب باحداث خطر/ أخطار صحية عليه أو على اّخرين ممن هم في محيطه
⦁ في حالة تكرار نسيان الطريق الموصل الى البيت / المسجد أو المدرسة، يكونمثل هذا مؤشرا على بدايات حالة الزهايمر.
من أبرز مسببات كثرة تكرار النسيان خللأ أو نقصا حادا في عمل الغدة الدرقية (قصور الغدة الدرقية )، وكذلك أمراض اصابت/ ولا زالت تصيب الدماغ .
يمكن علاج حالات النسيان العابر والتغلب عليه
- من خلال تناولبعض المنشطات والمكملات الغذائية الاضافية
- الالتزام ودوام الصلاة( مع تجديد الوضوء عند كل فريضة صلاة) وكذلك دوام قراءة القراّن بتدبر دون تشت أو شرود في الذهن.
إقرأ المزيد أيضاً حول الدكتور غسان عبد الله – القدس