12:54 صباحًا / 19 أبريل، 2025
آخر الاخبار

فلسفة النور ، شمس الدين التبريزي ونبض الحياة في كلماته ، بقلم : د. تهاني رفعت بشارات

فلسفة النور ، شمس الدين التبريزي ونبض الحياة في كلماته ، بقلم : د. تهاني رفعت بشارات

حين تتغلغل الحكمة في القلب، تصبح الكلمات ضوءًا يسري في العروق، فتضيء زوايا الروح، وترسم للإنسان طريقًا وسط العتمة. هكذا كانت كلمات شمس الدين التبريزي، الذي نقش بحروفه دروبًا من الأمل، وفتح نوافذ من نور في زوايا الفكر والروح. إن تأمل أفكاره العميقة يمنح الإنسان حكمة العابرين في دروب الحياة، أولئك الذين فهموا أن سر البقاء ليس في النجاة من العواصف، بل في الرقص تحت المطر.

أن تكون حيًا لا يعني أن تتنفس، بل أن تشعر

يقول التبريزي: “كُن على مَقرُبة من أي شخص يجعلك سعيدًا، لِتشعُر أنَّك ما زلت حياً”. هذه الكلمات ليست مجرد وصية، بل خريطة ترشد القلب إلى واحة السكينة وسط صحراء الحياة. السعادة ليست مجرد شعور طارئ، بل هي نبض داخلي يحييه الآخرون فينا، تمامًا كما يُوقظ الربيع الزهر النائم في أغصان الشتاء. إن الإنسان الذي يحيط نفسه بمن يضيئون عالمه، لا يعيش وحسب، بل يزهر، يتألق، ويصبح شعاعًا من الأمل في ظلام الأيام.

البذرة التي تحمل الكون في جوفها

“كيف يمكن للبذرة أنْ تُصدِّق أنَّ هناك شجرة ضخمة مُخبَّأة داخلها؟ ما تبحث عنه موجود بداخلك”. هذه الفكرة العميقة تجعلنا نتساءل: كم مرة شككنا في قدراتنا؟ كم مرة ظننا أن الحلم أكبر منا، بينما الحقيقة أن في داخلنا بذورًا قادرة على شق الأرض والصعود نحو السماء؟ الإنسان، كالبذرة، يحمل في داخله مجرات من الإمكانيات، لكنه بحاجة إلى الإيمان بذاته ليكشف عن تلك الشجرة العملاقة التي تنتظر أن ترى النور.

حين تظلم الحياة، هناك قمر في أعماقك

يخبرنا التبريزي أن “لِكُل ليل قمر، حتى ذلك الليل الذي بأعماقك”، وهذه ليست مجرد جملة بل مصباح يضيء الليالي الحالكة. في أعماق كل إنسان هناك شعاع لم يكتشفه بعد، نور يسكن الظل، وروح قادرة على أن تتوهج حتى في أحلك الظروف. الليل ليس دائمًا رمزًا للعتمة، ففي جوفه يسكن القمر، تمامًا كما تسكن فينا القوة وسط الضعف، ويولد الأمل من رحم الانكسار.

أرواح تفتح لك نوافذ السماء

“اقترب ممن يفتحون في روحك نوافذ من نور، ويقولون لك إنه في وسعك أن تضيء العالم”. في هذه العبارة تتجلى فلسفة الاختيار الواعي لمن نسمح لهم بالدخول إلى قلوبنا. بعض الناس، كالشمس، ينيرون عتمة أرواحنا، يفتحون لنا أبوابًا لم نكن نعلم بوجودها، يجعلوننا نرى في أنفسنا جمالًا كنا نجهله. وهناك آخرون، كالسحب الداكنة، لا يجلبون إلا المطر البارد والخوف.

القلوب الطينية والقلوب الحديدية

حين قال التبريزي: “عندما أخبرته أن قلبي من طين، سَخِر مني لأن قلبه من حديد؛ قريبًا ستمطر: سيُزهر قلبي وسَيَصدَأُ قلبه”، كان يضع بين أيدينا قانونًا من قوانين الحياة، حيث لا يدوم الصلب للأبد، ولا ينهار اللين بسهولة. القلوب الرقيقة، التي تبدو هشة في مهب الريح، هي التي تزهر بعد العاصفة، بينما القلوب المتصلبة، التي تظن نفسها منيعة، تذوب وتصدأ عند أول اختبار حقيقي.

الحب قوة العظماء، والكراهية ضعف الضعفاء

“لا يوجد أسهل من الكراهية والبغضاء؛ أما الحب، فهو يحتاج نفسًا عظيمة”. الحب ليس خيار الجبناء، وليس ضعفًا كما يظنه البعض، بل هو امتحان حقيقي للنفس. أن تحب رغم الألم، أن تمد يدك للخير رغم الجراح، أن تضيء الشموع بدلًا من أن تلعن الظلام، هذه هي القوة الحقيقية التي لا يمتلكها إلا العظماء.

كلما رغبت بشيء ابتعد، وكلما زهدت به اقترب

يقول التبريزي: “تبتعد الأشياء عنك بقدر حاجتك لها، وتقترب منك بقدر زهدك فيها”، وهنا يكشف لنا عن قانون خفي يحكم الكون. كم مرة سعينا خلف أشياء بكل جوارحنا فابتعدت عنا؟ وكم مرة تركنا الأمور تسير بطبيعتها فاقتربت منا؟ السر يكمن في التوازن، في أن نطلب دون جشع، ونسعى دون أن نلهث، ونتمنى دون أن نصير أسرى لأمانينا.

العمر ليس رقمًا، بل إحساسًا

“يجب عليك أن تفهم أن هذا السن مجرد رقم، لا يشكل حقيقتك أبدًا! ربما تكون طفلًا بسن الستين، أو شيخًا بسن العشرين”. الزمن لا يقاس بالسنوات، بل بالروح التي نحملها. هناك أطفال صغار يحملون حكمة الشيوخ، وهناك مسنون لم يفقدوا وهج الطفولة. القلب الذي لم تغتله قسوة الأيام يظل شابًا مهما مر عليه الزمن.

الوحدة الحقيقية أن تغيب عن نفسك

“أنتَ تشعر بالوحدة، ليس لأنه لا أحد معك، بل لأنك أنتَ لستَ معك”. كم من أناس يحيط بهم الجميع، لكنهم يشعرون بالفراغ؟ الوحدة ليست غياب الآخرين، بل غياب الذات. أن تفقد نفسك وسط الضجيج، أن تفقد صوتك وسط الأصوات، أن تبحث عن ذاتك ولا تجدها، هذه هي الوحدة الحقيقية التي يجب أن نخشاها.

أن تظل طفلًا رغم أنف الحياة

“الحياة الحقيقية لأولئك الذين حافظوا على طفولتهم ولم يرضخوا يومًا لمنطق الكبار”. في عالم يحاول أن يصبغنا بلون واحد، ويجعلنا نسير وفق قوالب جاهزة، فإن الاحتفاظ بروح الطفل هو أعظم انتصار. الطفل يرى العالم بدهشة، يبتهج بالأشياء الصغيرة، يضحك بلا سبب، ويحلم بلا حدود. فهل يمكننا أن نحافظ على هذا النقاء وسط زحام الحياة؟

كن أنت النور الذي تبحث عنه

كلمات شمس الدين التبريزي ليست مجرد حروف، بل هي مرايا تعكس الحقيقة التي نغفل عنها. إنه يخبرنا أن السعادة قريبة، لكن علينا أن نختار رفاقها بعناية. يخبرنا أن القوة ليست في الصلابة، بل في القدرة على التكيف. يخبرنا أن الحب يحتاج شجاعة، وأن النور يسكن داخلنا مهما اشتد الظلام. فهل نجرؤ على أن نكون الضوء في هذا العالم؟

شاهد أيضاً

لماذا يجب أن تتوقف عن ممارسة التمارين الرياضية مساء؟

لماذا يجب أن تتوقف عن ممارسة التمارين الرياضية مساء؟

شفا – كشفت دراسة حديثة أجراها باحثون من جامعة موناش الأسترالية عن نتائج مثيرة حول …