
دعم بلا قيود . . شحنات الموت وتمكين الاستعمار الصهيوني ، بقلم : بديعة النعيمي
في ظل تصاعد التوترات في الشرق الأوسط، لا سيما في قطاع غزة والضفة الغربية، كشفت صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية عن استلام جيش الاحتلال شحنة ضخمة من الأسلحة والذخائر من الولايات المتحدة، تضمنت ما يقارب ١٣ ألف قطعة من الأسلحة الجوية الحديثة، وذلك بعد أسابيع من دعم “تل أبيب” بنحو ٢٠ ألف قطعة من سلاح M4 تم توزيعها على المستوطنين في الضفة.
هذا الدعم، الذي يأتي في ذروة عمليات العدو العسكرية الدموية ضد غزة، يثير تساؤلات جدية حول الأهداف الحقيقية لهذا التسليح المكثف، وتداعياته على مستقبل الصراع الفلسطيني/الصهيوني وكذلك على احتمالات المواجهة الإقليمية مع إيران.
العلاقة العسكرية بين الولايات المتحدة وإسرائيل ليست وليدة اللحظة، بل تمتد جذورها إلى أعماق التاريخ الحديث، وقد أفردت لها سلسلة من المقالات في وقت سابق.
لكن بعد حرب ١٩٦٧، بدأت الولايات المتحدة الأمريكية تنظر إلى دولة الاحتلال باعتبارها حليفا استراتيجيا في خضم الحرب الباردة. وقد تجلى ذلك بوضوح خلال حرب أكتوبر عام ٧٣ عندما أنشأت الولايات المتحدة جسرا جويا ضخما لتزويد دولة الاحتلال بالسلاح، الأمر الذي أنقذها من هزيمة محتملة، ورسّخ لمعادلة جديدة في المنطقة.
هذه العلاقة تطورت عبر العقود لتصل إلى ما يشبه الضمانة الأمنية الأمريكية لتبقى دولة الاحتلال متفوقة عسكريا، كما تم تثبيت ذلك عمليا في مذكرة التفاهم التي وقعتها إدارة “أوباما” عام ٢٠١٦ والتي تنص على دعم عسكري سنوي بقيمة ٣,٨ مليار دولار حتى عام ٢٠٢٨.
غير أن التطورات الأخيرة، وخاصة بعد توزيع السلاح على المستوطنين، تشير إلى انحراف خطير في طبيعة هذا الدعم. فالأمر لم يعد مقتصرا على دعم ما يسمى بجيش نظامي، بل أصبح يشمل دعم جماعات مدنية في مستوطنات غير قانونية وفق القانون الدولي، وهو ما يُعد انتهاكا صارخا لاتفاقيات جنيف التي تحظر تسليح المدنيين في مناطق النزاع.
هذه الخطوة، التي تزامنت مع مجازر في غزة خلفت آلاف الشهداء، تُظهر بوضوح أن الدعم الأمريكي تجاوز مجرد الدفاع عن بقرة الاحتلال “الأمن”، وتعداه ليصبح أداة لتكريس واقع استعماري عنيف على الأرض.
إضافة إلى ذلك، فإن توقيت هذه الشحنات العسكرية يبعث برسالة ضمنية بشأن استعداد دولة الاحتلال لمواجهة عسكرية محتملة مع إيران، خاصة مع تصاعد التوترات بشأن البرنامج النووي الإيراني. وهذا ما يضع المنطقة كلها أمام سيناريوهات مفتوحة على التصعيد، في وقت تعاني فيه من أزمات إنسانية وسياسية حادة.
الولايات المتحدة، وإن كانت تعتبر هذا الدعم جزء من التزاماتها تجاه حليف تاريخي، فإنها تجد نفسها اليوم في موقف سياسي وأخلاقي بالغ التعقيد، خاصة في ظل تنامي الانتقادات الداخلية والدولية لدورها في تأجيج الصراع. إذ إن استمرارها في تزويد دولة الاحتلال بالسلاح في ظل ما تعتبره منظمات حقوقية “جرائم حرب” في غزة، قد يقوض من صورتها العالمية، ويضعها في موقع المدافع عن الاحتلال.
إن هذا الدعم وإن كان مبنيا على حسابات استراتيجية، فإنه ينتج واقعا دمويا في المنطقة. ومع كل شحنة سلاح جديدة، تزداد المجازر والإبادة الجماعية في غزة ويزداد قضم ما تبقى من الضفة الغربية من قبل المستوطنين.