
الأستاذة والباحثة يافا جمعة ، زهرة تفتحت في حدائق العلم وأريجها لا يغيب ، بقلم : د. تهاني رفعت بشارات
في دروب الحياة الممتدة، تمرّ بنا أرواح كثيرة، بعضها يُشبه النسيم اللطيف، يمرّ سريعًا دون أثر، وبعضها يُشبه المطر الأول، يترك في الذاكرة رائحة لا تُنسى، ومذاقًا لا يُمحى.
ومن بين تلك الأرواح النادرة التي تترك أثرًا طيبًا لا يُمحى، كانت الأستاذة الباحثة يافا جمعة، إحدى تلك الشخصيات التي تسكن الذاكرة كقنديلٍ لا ينطفئ، وتطلّ علينا كشمسٍ هادئةٍ في صباحٍ مطمئن.
تعرّفتُ على يافا في فضاء العلم الرحب، حين تواصلت معي عبر مواقع التواصل الاجتماعي بعد نشر أحد أبحاثي، وكانت كلماتها آنذاك كعبيرٍ طافحٍ بالتقدير، وكأنّها تكتب بمداد الاحترام.
سعادتي بذلك التواصل كانت كبيرة، ليس فقط لما حمله من تقدير، بل لأنني لمحت فيه روح الباحث الحقيقي، ذاك الذي لا يكتفي بالمعلومة بل يسائلها، ويبحث، ويعمّق، ويسعى للرقيّ لا لمجرد النشر.
كان حوارنا الأول امتدادًا لنقاء نادر، إذ طرحت الأستاذة يافا تساؤلات بحثية دقيقة، تكشف عن عقلٍ متّقدٍ، لا يرضى بالسطح، بل يغوص إلى الأعماق، باحثة عن الحقيقة كما تبحث الفراشة عن ضوءٍ في آخر النفق.
وما أجمل أن تُحاط بعقول تُشبهها، بعزيمة تشبه الشجر في صلابته، وباحثة تُشبه الغيمة حين تهطل علمًا، وترتفع خلقًا.
ومضت الأيام، حتى بعثت إليّ استبانة لتحكيمها، فوجدت نفسي أمام عملٍ متكامل يفيض تميزًا، والأجمل أنّ العمل لم يكن فرديًا، بل تضمن جهودًا بحثية من باحثين من دولٍ متعددة، في لوحةٍ تشبه الفسيفساء العلمية، كلّ قطعة فيها تلمع بجمال التخصص وتكامل الفكر.
يافا جمعة ليست فقط باحثة فلسطينية متميزة، بل هي أيقونة للمرأة المناضلة، والأم المثالية، تلك التي تكتب بحبر التعب، وتنجز بوقود الحُلم، وتجمع بين دفء الأمومة وجديّة البحث العلمي.
هي من أولئك الذين يحفرون طريقهم في الصخر، ولا يرتضون أن يكونوا عاديين، بل استثنائيين في العلم، والعطاء، والخلق.
فخورة بكِ جدًا، يا يافا، كما يفخر الورد حين يُزهر، وكما تفخر الأرض بزيتونها كلّما اشتدّت الرياح.
أنتِ بصمة جميلة في دفاتر الذاكرة، وأثركِ باقٍ كالندى في فجر العلم.
نعم، إنما الإنسانُ أثر، وأثركِ يا يافا أثرٌ يُبهج، ويُلهم، ويُحترم.
دمتِ كما أنتِ… باحثة لا تعرف التراجع، وإنسانة لا تعرف إلا الرُقيّ.