2:31 صباحًا / 19 أبريل، 2025
آخر الاخبار

وَاقِعُ الماليّة العامّة في فلسطين بعد حُزمة الدعم الأوروبية ، بقلم : مؤيد عفانة

وَاقِعُ الماليّة العامّة في فلسطين بعد حُزمة الدعم الأوروبية ، بقلم : مؤيد عفانة

وَاقِعُ الماليّة العامّة في فلسطين بعد حُزمة الدعم الأوروبية ، بقلم : مؤيد عفانة


كَثُر الحديث في الآونة الأخيرة عن حزمة الدعم الأوروبية للسلطة الفلسطينية، وأثرها على الماليّة العامّة، وعلى الأزمة الماليّة للسلطة الفلسطينية، وكالعادة (فاض) الفضاء الافتراضي، ووسائل الاعلام، بالتحليلات، والآراء والتفسيرات، والحديث عن انتهاء الأزمة أو تعقّدها، بعضها دقيق، والبعض الآخر جزافيّ، ومن أجل تحرّي الدقة والمعلومة الصحيحة، واعتماد الحقائق، والبيانات المعتمدة من مصادرها والموثّقة تبعاً للأصول العلمية، كان لزاماً تحرّي الحقيقة، واطلاع الموطنين على واقع الماليّة العامة، انفاذاً لمبادئ الحوكمة في إدارة المال العام، وكون المواطن أكبر داعم للخزينة العامة، من خلال الضرائب والرسوم المختلفة التي يدفعها للدولة، علاوة على أن أي دعم خارجي هو للمواطن من خلال الدولة، لتطوير الخدمات العامة.


بداية، تعاني الماليّة العامة في فلسطين من أزمة مالية بنيوية هيكلية، بدأت من سنوات طويلة، أي ما قبل السابع من أكتوبر 2023، وقبل احتجاز وقرصنة إسرائيل لإيرادات المقاصّة بدل مخصصات أسر الشهداء والأسرى في مطلع العام 2019، ونشأت أزمة المالية العامّة بسبب الخلل القائم في مبنى الإيرادات والنفقات، حيث أن النفقات في فلسطين تفوق الإيرادات، مما خلق فجوة مالية، اتسعت مع الزمن، ولم تتم معالجة تلك الفجوة خلال عمل الحكومات السابقة، بل تم العمل على معالجة الأزمة المالية بسياسة الترحيل والتراكم، من خلال اللجوء لحلول مريحة عبر أدوات عدة مثل القروض البنكية، متأخرات القطاع الخاص والموظفين العموميين، ديون الصناديق المختلفة، وغيرها، مما أدى عملياً إلى تراكم الأزمة وترحيلها وليس حلها، وكان منطقياً جداً انفجار تلك الأزمة، وخروجها عن السيطرة في مرحلة قادمة.


وقد تعمّقت الأزمة الماليّة ما قبل السابع من أكتوبر تبعا لعاملين وهما: تراجع الدعم الخارجي، وبدء إسرائيل بالاقتطاع من إيرادات المقاصّة، مما أدى إلى دفع رواتب مجزوءة للموظفين العمومين منذ شهر 11/2021، وعلى الرغم من التطور في الإيرادات والجباية ما قبل السابع من أكتوبر، إلّا أنّ الازمة المالية كانت حاضرة، وإثر الحرب العدوان على غزة، تمعقّت الأزمة المالية بشكل حاد بسبب اعتماد حكومة الاحتلال سياسة الخنق الاقتصادي للسلطة الفلسطينية من خلال احتجاز مخصصات قطاع غزة والتي تدفعها السلطة الفلسطينية لقطاعات التعليم والصحة والحماية الاجتماعية، وللخدمات العامة، علاوة على استمرار خصم مخصصات أسر الشهداء والأسرى، وخصم صافي الإقراض، وخصومات مختلفة أخرى، عدا عن انكماش الاقتصاد الفلسطيني بسبب الحرب، وتراجع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 28% وارتفاع نسبة البطالة الى 51%، وبالتالي انخفضت حصة الخزينة العامة من إيرادات المقاصة، وهي تشكل 68% من الإيرادات العامة، من حوالي مليار شيكل شهريا ما قبل الحرب، الى أقل من 300 مليون شيكل شهرياً في الشهر الأخير، بسبب التغوّل الإسرائيلي في قرصنة إيرادات المقاصّة، وقد رافق ذلك أيضا انخفاض في الإيرادات المحلية الداخلية، بسبب انكماش الاقتصاد، وأضحى المتاح من الإيرادات المحلية بشقيها (الداخلية وعبر المقاصّة) لا يكفي لتغطية حتى نصف النفقات التشغيلية الأساسية، والتي تشمل: فاتورة الرواتب والأجور والنفقات التشغيلية للمؤسسات العامة، والتي تصل إلى حوالي 1.35 مليار شيكل شهرياً.


أمّا حزمة الدعم الأوروبية، فهي للأعوام 2025-2027، وبقيمة 1.6 مليار يورو، مقسمة الى (3) مسارات: (620) مليون يورو للموازنة العامة، (576) يورو لدعم مشاريع تطويرية خاصة في مجالات الطاقة والتعليم والصحة والمياه، منها 82 مليون يورو سنوياً لدعم الاونروا، و(400) مليون يورو على شكل قروض ميسرة لدعم وتعزيز الاقتصاد والقطاع المصرفي. أي ان الدعم المباشر للخزينة العامة بمتوسط (206) مليون يورو سنوياً، أي أقل من إيرادات المقاصّة الشهرية دون اقتطاعات إسرائيلية، وأقل من فاتورة الرواتب الشهرية المجزوؤة (70% بحد أدنى 3500 شيكل)، والتي تصل الى حوالي (900) مليون شيكل، أي حوالي (220) مليون يورو. وبالتالي فإن الدعم الأوروبي جيد، وسيوفر مرونة مالية وسيولة نقدية للسلطة الفلسطينية، ولكن لن يحلّ بأي حال من الأحوال الأزمة الماليّة، خاصّة وأن الموازنة العامّة 2025، بها فجوة مالية “بعد المنح والمساعدات” تبلغ (6.9) مليار شيكل، منها (3) مليار شيكل عجز في الموازنة، يضاف له (3.9) مليار شيكل الاقتطاعات الإسرائيلية غير القانونية، عدا عن المتأخرات التراكمية والديّن العام، والتي تصل الى حوالي (45) مليار شيكل.


وفي ضوء ما سبق، يلاحظ أنّ حزمة الدعم الأوروبية مهمة، ولكن أثرها محدود على الماليّة العامة، ولن تنهي الأزمة المالية القائمة، ولن تُحدث تطورا دراماتيكياً، ومن غير المتوقع أن ترتفع نسبة الصرف للموظفين العموميين، بل أن واقع المالية العامة في العام 2025 تبعاً للمؤشرات المالية القائمة أكثر صعوبة وتعقيداً من العام 2024، لذا توجد ضرورة لتكثيف العمل ومن خلال استراتيجية وطنية لاسترداد إيرادات المقاصة المحتجزة، والتي بلغت (7) مليار شيكل، ووقف قرصنتها، بتوظيف أدوات قانونية وحملة ضغط دولية من خلال الدبلوماسية الفلسطينية وبالشراكة مع الدول الشقيقة والصديقة، ومؤسسات المجتمع المدني، ومجموعات الضغط، إضافة إلى ضرورة العمل على شبكة أمان مالي عربية، بالموازاة مع حزمة إصلاحات مالية وإدارية داخلية لترشيد النفقات، وتعزيز الإيرادات، من تمكين السلطة الفلسطينية من الوفاء بالتزاماتها وخدماتها، وتعزيز صمود المواطنين، في ظل الحرب الإسرائيلية.

  • – مؤيد عفانة – باحث اقتصادي

شاهد أيضاً

أسعار الذهب اليوم

أسعار الذهب اليوم

شفا – جاءت أسعار الذهب اليوم السبت 19 أبريل كالتالي :عيار 22 69.600عيار 21 66.500