12:59 صباحًا / 19 أبريل، 2025
آخر الاخبار

بين الانقسام والوحدة ، رحلة البحث عن الجسر المفقود ، بقلم : المهندس غسان جابر

بين الانقسام والوحدة ، رحلة البحث عن الجسر المفقود ، بقلم : المهندس غسان جابر

بين الانقسام والوحدة: رحلة البحث عن الجسر المفقود ، بقلم : المهندس غسان جابر

منذ عام 2007، دخل الواقع الفلسطيني في مرحلة معقّدة من الانقسام السياسي والجغرافي، بعد تصاعد الخلاف بين حركتي “فتح” و”حماس” وتطوره إلى انقسام فعلي بين الضفة الغربية وقطاع غزة، لكل منهما حكومته وإدارته. لم يكن ذلك مجرد تباين في الرؤى، بل تحوّل إلى انقسام شامل أثّر على مجمل بنية النظام السياسي الفلسطيني، وألقى بظلاله على حياة الناس ومستقبل القضية الوطنية.

مبادرات المصالحة : طريق طويل من المحاولات غير المكتملة

منذ اللحظة الأولى لهذا الانقسام، لم تتوقف الجهود والمساعي لإنهائه. فقد بدأت أولى المحطات الجادة في “اتفاق مكة” عام 2007، الذي رعته المملكة العربية السعودية، وأسفر عن تشكيل حكومة وحدة وطنية ضمّت مختلف القوى السياسية، وكان من بين أعضائها الدكتور مصطفى البرغوثي عن حركة المبادرة الوطنية الفلسطينية، وزيراً للإعلام.

غير أن الاتفاق لم ينجح في تجاوز الصعوبات العميقة، وسرعان ما تراجعت الأمور نحو مزيد من الانقسام، لتتوالى بعدها الاتفاقيات والمبادرات: القاهرة (2009، 2011، 2017)، الدوحة (2012)، الشاطئ (2014)، وصولاً إلى مبادرة الجزائر عام 2022. وعلى الرغم من التوقيع المتكرر، إلا أن التنفيذ ظل غائباً، بسبب تعقيدات الواقع، وحسابات القوى المتداخلة.

المبادرة الوطنية الفلسطينية: صوت الوحدة في زمن الانقسام

تأسست حركة المبادرة الوطنية الفلسطينية عام 2002، في ذروة انتفاضة الأقصى، كتيار وطني ديمقراطي يسعى لبناء بديل حقيقي، يُعيد الاعتبار لحق الشعب في المقاومة الشعبية، والعدالة الاجتماعية، والديمقراطية. منذ نشأتها، اتخذت موقفاً واضحاً ضد الانقسام، ورفضت المساومة على الوحدة الوطنية باعتبارها شرطاً أساسياً لأي مشروع تحرري.

شاركت الحركة في حكومة الوحدة الوطنية عام 2007، ولكنها امتنعت بعد ذلك عن المشاركة في أي حكومة لا تعبّر عن توافق وطني شامل. وتميّزت بموقف ثابت يدعو لتشكيل قيادة موحّدة، ولإجراء انتخابات ديمقراطية تشمل المجلس الوطني، كطريق لإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية وتوحيد الصف الفلسطيني.

أسباب الفشل: بين غياب الإرادة ومصادرة القرار الشعبي

لم تكن الإخفاقات المتكررة في تنفيذ اتفاقات المصالحة مجرد صدفة. فهي نتيجة مباشرة لعدة عوامل، أبرزها غياب الإرادة السياسية الجادة، وتحكّم المصالح الفصائلية على حساب المصلحة العامة. كما أن تغييب المجتمع المدني، والقوى المستقلة، عن دوائر صنع القرار، ساهم في تعميق الأزمة.

إلى جانب ذلك، فإن التدخلات الإقليمية، والتجاذبات الدولية، عززت حالة الجمود، وجعلت من المصالحة الفلسطينية ملفاً يخضع لمعادلات خارجية أكثر مما يُبنى على إرادة داخلية حرة.

المبادرة بين السياسة والفعل الشعبي

في مواجهة هذا الواقع، تمسكت حركة المبادرة الوطنية بدورها كصوت عقلاني، لا ينتمي لمحاور الانقسام، بل يعمل على خلق مساحات مشتركة. ولم تكتفِ بالبيانات، بل نشطت في الميدان، في المقاومة الشعبية ضد الاستيطان، وفي حملات المقاطعة، وفي التصدي لمحاولات تصفية القضية الفلسطينية.

كما طرحت مبادرات مكتوبة وعملية لتشكيل حكومة وحدة انتقالية، تعيد توحيد المؤسسات، وتضع حداً للانقسام، وتُمهّد لإجراء انتخابات شاملة، تكون نتيجتها مرآة حقيقية لإرادة الشعب.

خاتمة: لا تحرر دون وحدة

اليوم، وبعد مرور أكثر من سبعة عشر عاماً على الانقسام، تزداد الحاجة إلى مراجعة شاملة للمسار السياسي الفلسطيني. لم يعد ممكناً الاستمرار في إدارة واقع منقسم ومشلول، في ظل ما تواجهه القضية من تحديات وجودية.

إن قوة المبادرة الوطنية الفلسطينية لا تكمن في حجمها العددي، بل في ثباتها على المبدأ، وفي قدرتها على تمثيل ضمير الوحدة الوطنية، وفي التزامها بخط نضالي ديمقراطي مقاوم، يرى في وحدة الشعب والمؤسسات، الأساس لأي أمل بالخلاص من الاحتلال وبناء الدولة الفلسطينية على أسس الحرية والعدالة والكرامة.

م. غسان جابر – (القيادي في حركة المبادرة الوطنية الفلسطينية)

شاهد أيضاً

لماذا يجب أن تتوقف عن ممارسة التمارين الرياضية مساء؟

لماذا يجب أن تتوقف عن ممارسة التمارين الرياضية مساء؟

شفا – كشفت دراسة حديثة أجراها باحثون من جامعة موناش الأسترالية عن نتائج مثيرة حول …