
الأستاذة الباحثة تيماء زاهر قط، زهرة المعرفة وعطر الطموح ، بقلم : د. تهاني رفعت بشارات
في بستان الذاكرة، هناك أرواح تمرّ بنا كالنسيم العابر، تترك لمسة خفيفة تمضي معها الأيام… وهناك من يزرع في القلب وردةً لا تذبل، وعطرًا لا يخبو، وذكرى تظلّ تتوهّج كنجمةٍ في ليلٍ هادئ.
ومن بين هؤلاء النادرين، تتوهّج صورة الأستاذة الباحثة تيماء زاهر قط، الإنسانة التي لم تكن مجرد لقاء عابر في ممرّات العلم، بل كانت لحظةً نادرةً أزهرت أثراً جميلاً في مسيرتي.
كان لقاؤنا الأول في لحظةٍ لا تُنسى، في أول مناقشة علمية لي كممتحنة خارجية في جامعة النجاح الوطنية، بعد المناقشة وإذا بها تقترب كضوءٍ ناعمٍ في زحمة الصمت، تمدّ يدها بكلماتٍ عذبة ومشاعر راقية، وتقول بثقةٍ نابعة من قلبٍ نقي:
“دكتورة، أنا أتابعك، أقرأ مقالاتك وأبحاثك، وكم تأثّرت بطريقة مناقشتك.”
تلك الكلمات، رغم بساطتها، انسكبت في قلبي كحنين المطر الأول، وأيقظت في داخلي شعورًا جميلًا بأن للعلماء الحقيقيين قلوبًا ترى، وأرواحًا تُلهم.
ثم مضت الأيام، لكن الصدفة لم تبقَ وحيدة، بل تحوّلت إلى تواصلٍ ممتدّ، حين تواصلت معي الأستاذة تيماء لتستفسر عن تفاصيل الدراسة في ماليزيا، وسرعان ما لمحتُ فيها مرايا الطموح المتّقد، وملامح الإنسانة المثابرة، تلك التي لا تنتظر الظروف بل تصنعها، ولا تهاب الغربة بل تغزل منها حلمًا يستحق أن يُعاش.
كانت كلماتها تحمل نبرة الباحثة الجادة، وصوت المعلمة التي تُحب طلابها كأنهم أبناء فكرٍ وضمير، وكم أسعدني أن أرى فيها مزيجًا من الذكاء، والرُقي، والإنسانية. إنّها من أولئك الذين يحملون على أكتافهم همّ الرسالة، لا الوظيفة، ويزرعون في قلوب طلابهم بذور الأمل، كما يزرع الفجر نوره في عيون الحالمين.
يا تيماء، إنكِ حقًا مثال للمرأة الفلسطينية التي لا تنحني إلا لتنهل من ينابيع المعرفة، والتي تشق طريقها بثباتٍ في حقلٍ من التحديات، تمامًا كشقّ النهر طريقه وسط الصخور، فيظل جاريًا لا يتوقف.
فخورة بكِ جدًا، فخورٌ بكِ الحرف، والعلم، وكلّ من عرفكِ ولمس فيكِ صدق الإصرار ونبل الطموح.
وها أنا أقولها من القلب:
إنما الإنسانُ أثر، وأثركِ يا تيماء عطرٌ لا ينضب، ورحيقٌ باقٍ في زهرات الذاكرة.
دمتِ كما أنتِ… نقيّة، طموحة، ملهمة.
وكلّ يومٍ تشرقين فيه، تُثبتين أن الرقيّ لا يُكتسب، بل يُولد مع من خُلقوا ليكونوا فارقًا مضيئًا في حياة الآخرين.