
الباحثة المتميزة هبة فارس حمّاد ، بصمة علمية وإنسانية لا تُنسى ، بقلم : د. تهاني رفعت بشارات
في دروب الحياة الواسعة، ثمّة أرواح تمرّ بنا لا كعابري سبيل، بل كنجومٍ تُضاء في سماء الذاكرة وتبقى مشعّة مهما تعاقبت الأيام. ومن بين تلك الأرواح النديّة التي تترك أثرًا طيبًا لا يمّحي، تقف الباحثة الراقية، الأستاذة هبة فارس حمّاد، شامخة كشجرة زيتون فلسطينية ضاربة جذورها في الأرض، وأغصانها عالية تتفيأ تحتها القلوب.
كانت هبة لي محطة فخر لن أنساها ما حييت، إذ كانت أول باحثة أناقشها كممتحن خارجي في جامعة النجاح الوطنية، ذلك الصرح الأكاديمي العريق، تحت إشراف البروفيسور القدير خالد دويكات. ولله الحمد والفضل، كنت محظوظة بهذه التجربة الغنية التي ستظل محفورة في ذاكرتي كوشمٍ جميل على صفحة القلب. كان التاريخ يومها 14 أبريل 2024، وكان للمناسبة عبقٌ خاص، كأن الزمان نفسه انحنى إجلالًا لما جرى في تلك القاعة.
دخلت هبة قاعة المناقشة كزهرة ربيعٍ في تمام تفتحها، تحمل علمها في قلبها، وتقدّم بحثها بأسلوب أكاديمي رصين، متين كالذهب المصقول، سلس كجدول ماء رقراق. طريقة عرضها، تمكنها من أدوات البحث، عمقها التحليلي، وثقتها الهادئة، كلها جعلت من مناقشتها لوحة فنية من الاتزان والرقي، تبعث في النفس البهجة والاعتزاز.
ولم يكن من المستغرب أن تُمنح درجة الماجستير بامتياز، مع تعديلات طفيفة لا تكاد تُذكر، بحضور الدكتور الرائع خالد دويكات، والدكتورة كفاح برهم كممتحن داخلي، ليُضاف هذا الإنجاز إلى سجلها العلمي الزاخر.
لكن أجمل ما في ذاك اليوم، لم يكن فقط بهاء الإنجاز الأكاديمي، بل ملامح الفرح التي انعكست على الوجوه، كضوء الشمس حين يلامس قطرات الندى. كانت والدة هبة، الحاجة أم هبة، تبكي من الفرح، ودموعها تُغني عن آلاف الكلمات، وهي تردد بفخر “عقبال الدكتوراه يا أمي”. وكان المشهد مؤثّرًا حدّ الامتنان، حيث احتضنتها ابنتها الصغيرة بحبٍ صافٍ يشبه الحضن الأول للحياة، وكانت فخورة بها كما لو أنها تُقلّدها وسامًا من نور.
وفي زوايا القاعة، كانت أعين صديقاتها، وأبنائها، وكل من عرفها، تشعّ بنظرات المحبة، وتفيض اعتزازًا، كأن النجاح الذي احتفلوا به لم يكن إنجاز هبة وحدها، بل انتصار لكل من آمن بقيم العلم والمثابرة والأمل.
هبة… أثرك خالد كخيوط الفجر، لا تغيب عن ذاكرة الروح، وبصمتك البحثية والعلمية علامة فارقة في درب التميز.
فخورة بكِ جدًا، وبأدبك، وبعلمك، وبأخلاقك العالية.
أنتِ عنوان مشرف للباحثات الفلسطينيات، ونموذج يحتذى به في الرقي الأكاديمي والسمو الإنساني.
شكرًا لكِ لأنك كنتِ نورًا في يومي ذاك، ومصدر إلهام لكل من شهد تلك اللحظة.
دام عطاؤك، ودام لكِ المجد، يا هبة النور والفخر.